أليس هذا ما يخيف اللبنانيين الذين يضطربون على حبال الطائفية ومخاوف الديموغرافيا؟ فلا تبدو هناك نية لدى النظام السوري لإعادة من شرّدتهم دباباته وبراميله إلى مدنهم وقراهم
10 / تموز / يوليو / 2019
المصدر: العربي الجديد ــ أمجد ناصر
لا أعرف، بالضبط، لِمَ اختيرت تلك الأرض لإقامة مخيمٍ لإيواء اللاجئين السوريين الفارّين من جحيم بشار الأسد، سوى أنها قريبةٌ من محطة الزعتري التي تزوّد مدينة المفرق بالمياه الجوفية. هذا، في حد ذاته، سببٌ وجيه. سببٌ آخر مهم، أيضاً، يتعلق بقربها من الحدود الأردنية السورية ومنافذ العبور.
مع تطور القتال في سورية، بلغ عدد السوريين الذين يضمهم مخيم الزعتري نحو نصف مليون لاجئ في مدينةٍ لا يتجاوز عدد سكانها 60 ألف نسمة… بوسع من يزور منطقة الزعتري أن يلحظ عشرات آلاف الخيام والكرفانات والمنشآت المرافقة للجوء البشري. هناك حياةٌ أخرى، راحت تدبُّ وتتسع. حياة تنشأ، عادة، مع أي تجمّع بشري مستقر، أو شبه مستقر: دكاكين، محطّات وقود، كراجات سيارات، مطاعم، صالونات حلاقة ومحال بيع الدراجات الهوائية وقطع غيارها وطائفة أخرى من الأعمال التي تفيد من وجود المخيم – المدينة. وفي داخل المخيم، تعتبر الدراجة الهوائية وسيلة النقل الأولى بين قطاعات المخيم المختلفة. لم أر في حياتي مخيماً بهذا الحجم والامتداد والأنفاس البشرية التي تؤثثه. رأيت نشوء مخيمات إيواء للنازحين من الضفة الغربية بعيد حرب حزيران 67، لكنها لم تبلغ قط ما بلغه مخيم الزعتري. امَّحت، بمرور الوقت، تلك المخيمات “المؤقتة”، وذابت في محيطها، أو تحولت أحياء وامتدادات للمدن التي قامت بالقرب منها.
المخيف في أمر هذه المخيمات أن تبقى. أن لا يعود الذين تركوا بيوتهم وأرضهم إلى ما تركوه، مرغمين. أليس هذا ما يخيف اللبنانيين الذين يضطربون على حبال الطائفية ومخاوف الديموغرافيا؟ فلا تبدو هناك نية لدى النظام السوري لإعادة من شرّدتهم دباباته وبراميله إلى مدنهم وقراهم. لكن الديموغرافيا لا تخيف الأردنيين. وربما لا تخطر على بالهم. ما يشغلهم أن يتخلى العالم تماماً عن اللاجئين السوريين: بشراً وأفقاً سياسياً. وهذا ما يحصل، فمنذ عامين، أو أكثر، تقلص الاهتمام السياسي والإغاثي بمأساة اللاجئين السوريين. كل ما قيل في اجتماعات الدول المانحة، وما لهجت به ألسن المندوبين الدوليين تحت قبة الأمم المتحدة، لم يتحقق. يحتاج اللاجئون السوريون إلى “صنع” حياة كريمة بديلة، لكنهم يحتاجون أكثر إلى حل سياسي في بلادهم، فلا شيء أسوأ من حياة اللجوء. لا شيء أكثر هدراً للكرامة البشرية من أن تبدو “عالةً”، أو مشرّداً بلا وطن. وهذا، بالضبط، هو المعنى المُذلّ في أن تكون لاجئاً خارج بلادك، أو نازحاً داخلها.