ثبتت موسكو سوريا كمنطقة نفوذها السياسي والعسكري. هي لا تريد أي منازع أو منافس. بعدها لا بد من البحث عن تلك الصيغة، التي بدأ يتسرب بعض نقاطها. فيما بعد دخل الإسرائيليون على خطّ عرقلة هذه الصيغة
15 / أيار / مايو / 2020
المصدر: موقع تلفزيون سوريا | منير الربيع
لم يكن الخلاف الذي طفى على سطح الأحداث بين بشار الأسد ورامي مخلوف، إلا محاولة حرق لمشروع قيد الدرس. يشمل المشروع البحث عن صيغة انتقالية في سوريا، مقابل سحب بشار الأسد من التداول، والإقدام على خطوات للخروج من الأزمة السورية. وكان هذا المشروع نتاج تداولات طويلة وكثيرة بين الأميركيين والروس والأتراك، وبعض الدول العربية والخليجية. توصلت روسيا إلى خلاصات بأن بقاءها في سوريا، يتطلب منها تقديم صيغ ترضي شرائح المجتمع السوري. فلا يمكنهم البقاء في بلد ضد النظام السوري وبشار الأسد تحديداً.
أنهت تلك المعركة رامي مخلوف وأي مستقبل له. وبذلك تضررت الكتلة المالية الصلبة المحيطة ببشار، وخصوصاً أنه الأقرب والأوثق في بنية النظام، ما سيدفع الآخرين إلى البحث عن بدائل. ولكن أثر ذلك سيكون كبيراً على بنية النظام، التي ستتخلخل، وذلك طبعاً سينعكس إلى مزيد من الإضعاف للأسد. فتحت معركة العائلة الواحدة، والبيئة الواحدة والطائفة الواحدة، الباب على معارك كثيرة، ستكون آثارها كبيرة على بنية النظام وحاضنته الاجتماعية.
وكذلك فتحت المعركة، مجالات جديدة للصراع أو التنافس الروسي الإيراني على الجغرافيا السورية ومناطق نفوذها. في هذا الوقت، تأتي إشارات إيرانية تبدي الاستعداد للتفاوض مع الأميركيين، وقد تجلى آخرها بتغريدة لمرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي والتي كانت لافتة وقال فيها: “أعتقد أن الإمام الحسن هو أشجع شخصية في تاريخ الإسلام، حيث قام بالتضحية بنفسه وباسمه بين أصحابه المقربين منه، في سبيل المصلحة الحقيقية، فخضع للصلح، حتى يتمكن من صون الإسلام وحماية القرآن وتوجيه الأجيال القادمة.”
موقف الخامنئي لا لبس فيه حول استعداد إيران للتفاوض مع الأميركيين، مثل هذا الموقف والجمل والعبارات نفسها كان قد استخدمها خامنئي بموقف أطلقه في العام 2013، وذلك لفتح الطريق أمام مفاوضات مباشرة بين الإيرانيين والأميركيين، أوصلت إلى توقيع الاتفاق النووي في العام 2015. اليوم يكرر الخامنئي الموقف نفسه، وسط تداعيات سياسية ستظهر على الساحة الشرق أوسطية، من تشكيل حكومة مصطفى الكاظمي في العراق، إلى السماح للعراق باستيراد الكهرباء من إيران لستة أشهر، وصولاً إلى التهدئة السياسية في لبنان، ومواقف حسن نصر الله على الذهاب إلى صندوق النقد الدولي. وحتماً تحريك لمسار المفاوضات بين الإيرانيين والروس حول الوضع في سوريا.
ثبتت موسكو سوريا كمنطقة نفوذها السياسي والعسكري. هي لا تريد أي منازع أو منافس. بعدها لا بد من البحث عن تلك الصيغة، التي بدأ يتسرب بعض نقاطها. فيما بعد دخل الإسرائيليون على خطّ عرقلة هذه الصيغة. والتي بدأ التشويش عليها من شخصيات إسرائيلية، أو شخصيات على تواصل معها. هنا لا بد من العودة إلى الخط البياني الأساسي، والذي يقود إلى خلاصة واضحة حول التقاطع ما بين إسرائيل وبقاء الأسد.
تزامنت الحملة الإسرائيلية المضادة، مع حملة شرسة شنتها الصحف ومراكز الأبحاث الروسية ضد الأسد واتهمته بالفساد. هذه المواقف الروسية عكست انزعاجاً سورياً ومن بطانة المحسوبين على النظام من الموقف الروسي. الصيغة الروسية الأميركية التركية، قد أصبحت قائمة، لم يعد بالإمكان تجاوزها، بغض النظر عن تغيير في بعض تفاصيلها أو مضامينها. ولكن ذلك لا يمكن أن يحصل بدون موافقة إسرائيلية، ومعروف عن الإسرائيلي استعداده للدخول في الربع الساعة الأخير من الأحداث لفرض أمر واقع يلائمه. وهو حتماً يبحث عن ضمانات، سيوفرها له الروسي والأميركي، والتي تنطلق من تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا. من تغريدة خامنئي إلى الموقف الإسرائيلي ثمة بازار جديد سيفتح. الأميركي سيستمر في ضغوطه إلى أن تدفع إيران ما يجب دفعه من تنازلات، عبر انسحابات من بعض المناطق السورية، وترسيم الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
هنا لا بد من النظر إلى بعث بشار الأسد. وما يمكن أن يتغير في الصيغة التي كان يتم بحثها دولياً وتستثنى إيران منها. البعث تاريخياً مدمن على البازارات، كما على سياسة المزايدة تحت شعار فلسطين. بحث عن شرعيته في هذه المزايدة. أدق التوصيفات الذي يصح فيهم هو أنهم عصابة تسعى دوماً للبحث عن السلطة. برفع لواء فلسطين، أو الاشتراكية، أو مواجهة الإمبريالية، أو التحالف معها، ولو اقتضى الأمر رفع لواء الدفاع عن الطائفة للبقاء في السلطة، فهم يفعلون ذلك وقد مارسوه منذ سنوات، مستقبلاً سيحاول البعث البحث عن شعار جديد للمزايدة، لن يكون أقل من مغازلة إسرائيل علناً، وهي تشهد تشكيل حكومة وحدة وطنية، تشبه حقبة تشكيل ما يماثلها قبل حرب العام 1967.