العدالة لا تعني معاقبة المسؤولين عن الفظائع السابقة فحسب، بل تشمل أيضا ضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات
24 / كانون أول / ديسمبر / 2018
*المصدر: سارة كيّالي – هيومان رايتس ووتش
“الأمور تتغيّر في سوريا. انتصرت الحكومة السورية في الحرب. بدأ اللاجئون بالعودة. إنّ إنشاء لجنة دستورية سيحقق السلام في سوريا. سوريا آمنة.” بعض هذه العبارات صحيحة، وبعضها مبالغ فيه، وبعضها الآخر قد لا يصبح حقيقة أبدا.
القاسم المشترك بين كل هذه التصريحات هو الرغبة في الإشارة إلى أنّ الحرب انتهت، وأنّ العالم يمكن أن يحوّل اهتمامه أخيرا من العنف المدمر والوحشي الذي أثّر على حياة ملايين السوريين على مدى السنوات الثماني الماضية. رغم تراجع الأعمال القتالية الفعلية، لم يتحقق سوى تقدم بسيط للغاية في الأسباب الجذرية للصراع، وكثير منها يكمن في الانتهاكات الجماعية والجسيمة لحقوق الإنسان.
خلال العام الماضي، وثّقت منظمات حقوقية كيف استعاد التحالف العسكري السوري الروسي المراكز السكانية التي كانت تسيطر عليها القوات المناهضة للحكومة الرئيسية، إثر هجمات شملت غارات جوية عشوائية وأسلحة محظورة. كان هناك جهد دبلوماسي وإنساني هائل لحماية المدنيين ومنع النزوح الجماعي في إدلب، والذي ينبغي أن يظل أولوية دائما. الرقة، التي كانت مقر تنظيم “الدولة الإسلامية” داعش، تحاول التعافي من الأثر المدمر لمعركة التحالف بقيادة الولايات المتحدة لاستعادتها.
نأمل ألا تكون الضربات الجوية والأسلحة الكيميائية السمة الاعتيادية للانتهاكات المستقبلية في سوريا. لكن كما تبيّن هذا العام، فإنّ انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا لم تنته بعد. تستمر الحكومة في استخدام القوانين والسياسات التي تصادر وتدمر بطريقة غير قانونية ممتلكات سكان المناطق التي كانت مناهضة للحكومة. قامت “هيئة تحرير الشام”، الجماعة غير الحكومية التي تسيطر على إدلب، باعتقال وتعذيب عشرات الأشخاص للسيطرة على المنطقة. لا يزال مصير عشرات الآلاف من الأشخاص الذين تحتجزهم الحكومة السورية مجهولا. فشل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها على الأرض في إجراء تحقيقات على نحوٍ مناسب وتعويض ضحايا الغارات الجوية غير الشرعية والتعامل مع الآلاف من الأجانب الذين سافروا للانضمام أو العيش في ظل داعش، بطريقة تضمن المساءلة عن أي جرائم ارتُكبت مع احترام حقوق المتهمين على صعيد مراعاة الأصول القانونية.
مع وصول مبعوث جديد للأمم المتحدة في سوريا قريبا، ووجود رغبة دولية قوية على ما يبدو لإنهاء الحرب، هنالك 3 عناصر أساسية لخطة قابلة للتطبيق لسورية ما بعد الحرب:
أولا، التأكد من أنّ اللاجئين وجميع النازحين السوريين الآخرين لديهم مساكن يعودون إليها. هناك 6 ملايين لاجئ سوري، وخمسة ملايين نازح داخليا. يعرب الكثيرون منهم عن رغبتهم في العودة إلى منازلهم لكنهم يخشون أن يجدوا أن ممتلكاتهم قد تمت مصادرتها أو هدمها أو لا يُسمح لهم بالدخول إليها. هذه المخاوف حقيقية، مع إقرار الحكومة السورية لقوانين وتنفيذ سياسات لاستملاك المنازل بشكل غير قانوني، وتدمير المساكن، أو تقييد الوصول إليها. كما قامت جماعات غير حكومية بمصادرة المنازل في المناطق التي تسيطر عليها، لا سيما في عفرين التي سيطرت عليها مجددا الجماعات المدعومة من تركيا في مارس/آذار.
إنّ صانعي السياسة الأوروبيين قادرون على إشراك الحكومة الروسية من أجل ضمان حماية المدنيين الذين يختارون العودة من الانتقام. عليهم الإصرار على أن تنهي الحكومة السورية عمليات التدمير غير القانونية للممتلكات ومصادرتها، فضلا عن القيود التعسفية على الوصول إليها، وأن تعوّض بشكل مناسب للمقيمين الذين دُمرت ممتلكاتهم بشكل غير قانوني.
ثانيا، على الحكومة السورية والآخرين الكشف عن مصير المختفين. قامت الحكومة السورية وداعش وغيرها من الجماعات باخفاء أو احتجاز عشرات آلاف الأشخاص قسرا. إنّه جرح مفتوح لأي مجتمع يحاول المضي قدما، بينما تكافح الأسر لإيجاد إجابات عن مصير أحبائها. يعيش مئات الأشخاص في خوف من أن تجدهم الأجهزة الحكومية وغير الحكومية القمعية في يوم ما.
رغم أنّ روسيا وتركيا وإيران أنشأت مجموعة عمل حول المعتقلين كجزء من عملية أستانا، إلا أنه لم يتم إحراز أي تقدم يذكر. إصدار شهادات الوفاة وإجراء تبادل محدود للسجناء لا يكفي. على الجميع الاصرار على أن تسمح جميع أطراف النزاع للمراقبين الدوليين بالدخول إلى مرافق الاحتجاز، والإفراج عن جميع السجناء المحتجزين بشكل غير شرعي، والكشف عن مصير المختفين أو المخطوفين.
أخيرا، يجب إحراز تقدم على صعيد العدالة. إذ يُعتبر الصراع السوري من أكثر الصراعات توثيقا في التاريخ، بما فيه من جرائم حرب تتراوح بين الاعتقال والتعذيب بشكل منهجي وواسع النطاق من قبل أجهزة الأمن السورية، إلى عرقلة الحكومة السورية وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين الذين يموتون جوعا، والاستخدام المتواصل للأسلحة العشوائية والمحظورة من قبل التحالف العسكري السوري الروسي. لا يزال عديد من الأنظمة التي سمحت بحدوث هذه الجرائم بالعملية فعالا ومستمرا، بما فيه في مجال المساعدات الإنسانية والأمن والعدالة. هناك خطر استمرار بعض الجرائم ضد الإنسانية بعد الصراع.
العدالة لا تعني معاقبة المسؤولين عن الفظائع السابقة فحسب، بل تشمل أيضا ضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات. على الدول والمانحين الذين يتطلعون إلى العمل من أجل سوريا، بالإضافة إلى المبعوث الخاص للأمم المتحدة وحلفاء الحكومة السورية، الإصرار على مراجعة أجهزة الدولة السورية وإصلاحها، ولا سيما أنظمة الأمن والعدالة، من أجل احترام حقوق المواطنين السوريين. إذا كان النظام القضائي السوري غير قادر على تأمين محاكمات مستقلة وفعالة لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، فإنّ على أنظمة العدالة في بقية العالم الاستعداد لمقاضاة هذه الجرائم.
لن يكون من السهل إنجاز أي من هذه الجهود. لكن إذا كان الهدف هو تحقيق السلم والازدهار في سوريا ، فإنّ هذه الجهود ضرورية.
.
.