تشير التقديرات إلى أن عشرات الآلاف محتجزون في مراكز احتجاز تابعة للحكومة السورية، وفقاً للجنة الأمم المتحدة. غالباً ما يحتجز المعتقلون بمعزل عن العالم الخارجي، تاركين عائلاتهم تتساءل عن مكانهم، أو ما إذا كانوا على قيد الحياة، على حد قول اللجنة وعائلات المحتجزين.
21 / كانون أول / ديسمبر / 2022
*مع العدالة: ضحايا
منذ أن اعتقلت قوات الأمن السورية يحيى حجازي وابنيه في 2012 تشبث أقاربهم بالأمل في أنهم ما زالوا على قيد الحياة وربما يطلق سراحهم يوماً ما.
ولكن بعد عقد من الصمت من جانب السلطات، تحطمت آمالهم عندما اتصلت الشبكة السورية لحقوق الإنسان المستقلة بعائلة حجازي لإخبارهم بأنها حصلت على شهادات وفاة للثلاثة.
وقال محمد شقيق يحيى لرويترز عبر الهاتف من شمال غرب سوريا “تأمل في كل ثانية أن تلمح مرة أخرى هذا الشخص الذي تحبه كثيراً وأن تسمع أي أخبار عنه”. “ثم تسمع أنه مات”.
قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان إن الوثائق التي تؤكد وفاة يحيى وأبنائه كانت من بين 547 شهادة وفاة معتقل صادرة عن السلطات منذ عام 2017 حصلت عليها من المبلغين عن المخالفات داخل الدوائر الحكومية.
وقالت المنظمة الحقوقية إن الوثائق قدمت إجابات على مصير مئات المفقودين. ويأمل نشطاء أن يتم استخدامها في نهاية المطاف في الإجراءات الدولية ضد الحكومة التي اتهمتها لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بسبب سياساتها في الاعتقال.
لم ترد الحكومة على أسئلة عبر البريد الإلكتروني حول شهادات الوفاة التي حصلت عليها الشبكة السورية لحقوق الإنسان. ونفى مسؤولون سوريون في الماضي اتهامات بالتعذيب المنهجي والإعدامات الجماعية في السجون.
واطلعت رويترز على 80 شهادة وفاة من بينها شهادات لأسرة حجازي بالإضافة إلى شهادات لطفلة في الثالثة من عمرها وشقيقتها البالغة من العمر ست سنوات.
وقام محامٍ حقوقي سوري، رفض الكشف عن اسمه بسبب حساسية المسألة، بمراجعة عينة من الوثائق. وقال إن التصميم واللغة المستخدمة وعناصر المعلومات المدرجة تتطابق مع شهادات وفاة سورية أخرى.
وبحسب رويترز أنه لم يتسن لها التأكد بشكل مستقل من صحة الوثائق.
قال محمد حجازي إن الأسرة لم تطلب شهادات وفاة من السلطات لأنها تعيش في مناطق تسيطر عليها المعارضة. وأضاف أن معارفه في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة رفضوا أيضاً سؤال السجلات المدنية عن الوفيات خشية أن ينظر إليهم على أنهم من معارضي “حكومة الأسد”.
“لا يوجد سبب للوفاة”
اندلعت الحرب في سوريا بعد ثورة عام 2011 ضد حكم بشار الأسد وأسفرت عن مقتل أكثر من نصف مليون شخص وتشريد أكثر من نصف السكان وإجبار الملايين على الخروج كلاجئين.
وتشير التقديرات إلى أن عشرات الآلاف محتجزون في مراكز احتجاز تابعة للحكومة السورية، وفقاً للجنة الأمم المتحدة. غالباً ما يحتجز المعتقلون بمعزل عن العالم الخارجي، تاركين عائلاتهم تتساءل عن مكانهم، أو ما إذا كانوا على قيد الحياة، على حد قول اللجنة وعائلات المحتجزين.
لا تعمل جماعات حقوق الإنسان الدولية بشكل علني في سوريا ولا يمكنها الوصول إلى مراكز الاحتجاز. وفي أغسطس آب أوصى مكتب الأمين العام للأمم المتحدة بإنشاء آلية لتحديد مصير السوريين المفقودين لكن لم يتم تشكيلها بعد.
- وقالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان إن الشهادات ال 547 شملت شهادات 15 طفلاً و19 امرأة.
وذكرت بعض الشهادات ال 80 التي اطلعت عليها رويترز مكان الوفاة على أنه مستشفيات عسكرية أو محاكم عسكرية. وكان البعض الآخر غامضاً بشأن مكان الموت، في “دمشق” أو قرية على مشارفها. وترك بعضها فارغاً.
كما كانت الشهادات التي اطلعت عليها رويترز بها فجوات كبيرة بين تاريخ الوفاة ووقت تدوينها في السجل، حيث أظهر معظمها تأخراً لعدة سنوات وأظهرت واحدة تأخيراً لمدة 10 سنوات.
ولم تذكر أي من الشهادات التي اطلعت عليها رويترز سبب الوفاة. قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان إن هذا هو الحال بالنسبة لجميع ال 547.
وقالت المنظمة الحقوقية إنها طابقت الأسماء التي ظهرت في شهادات الوفاة مع قوائم أوسع للأشخاص الذين تحتجزهم السلطات السورية.
وتمكنت المجموعة من الوصول إلى أسر 23 من المتوفين. وقالت إن الكثيرين اشتبهوا في وفاة أحبائهم، لكن لم يحصلوا على تأكيد إلا عندما رأوا شهادات الوفاة.
- لا يزال التعذيب وسوء المعاملة في سجون الأسد “منهجياً”، وفقاً لتقرير صدر عام 2022 عن لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا، والذي أشار إلى الانتهاكات في مراكز الاحتجاز التي تديرها فصائل غير حكومية أيضاً.
وقالت إن الحكومة تتعمد حجب المعلومات عن عائلات أحبائها، ووصفت سياسات الاحتجاز بأنها ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.
“يستمر الانتظار”
قالت لجنة الأمم المتحدة إنه في عام 2018، بدأت السلطات السورية في تحديث السجلات المدنية بكميات كبيرة بشهادات وفاة الأشخاص الذين ماتوا في الحجز لكنها لم تبلغ أقاربهم مباشرة.
لم ترد الحكومة على أسئلة حول سبب عدم إبلاغ أقارب المتوفى.
يمكن للأقارب في المناطق التي تسيطر عليها “حكومة الأسد” معرفة ما إذا كان أحباؤهم قد ماتوا، عن طريق طلب سجلات عائلاتهم من السجلات المدنية. لم يسمح لهم بالوصول إلى الجثث لدفنها، أو إخبارهم بمكان الرفات، وفقاً للجنة والشبكة السورية لحقوق الإنسان.
وعلم آخرون بالوفيات من خلال التعرف على أقاربهم في صور مسربة التقطها مصورون عسكريون يعملون في السجون، وكان أبرزهم يدعى “قيصر“.
في مقابلة عام 2015، رفض الأسد صور قيصر باعتبارها مزاعم دون أدلة. ووصف المدعون السابقون في جرائم الحرب الصور بأنها دليل واضح على التعذيب المنهجي والقتل الجماعي.
وأعرب فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، عن أمله في أن توفر الدفعة الكبيرة من شهادات الوفاة بعض الراحة لأولئك الذين ما زالوا ينتظرون معرفة مصير أقاربهم.
- لكن بالنسبة لمحمد حجازي، فإن الانتظار مستمر.
وبينما يعرف الآن مصير شقيقه يحيى، قال إن الحكومة اعتقلت 40 آخرين من أقاربهم في وسط سوريا ولم تتلقَ الأسرة أي أخبار عنهم بعد.
“لم أتمكن من إخبار والدتنا أن يحيى قد مات. ما زلت أخبرها أنه لا يزال في السجن”.