#########

الضحايا

سجن البالونة: محطة التعذيب بين الأفرع والسجون السورية!


تقضي النساء القادمات من وإلى محكمة الإرهاب عبر المحافظات السورية أياماً في سجن البالونة، وفي كل مرة يتعرضن لتعذيب جديد وإهانات مختلفة

01 / أيار / مايو / 2019


سجن البالونة: محطة التعذيب بين الأفرع والسجون السورية!

 

*منى محمد _ مع العدالة 

 

 

على طريق دمشق الدولي، وخلف جامعة البعث يقع ثاني أفظع سجن في سورية. سجن البالونة العسكري، أو مايسمى بالرباعي في مدينة حمص. الذي يُعتبر من أكثر السجون غموضاً، ويشارك سجن صيدنايا في دمويته خاصة بعد قيام الثورة السورية.

فقبل ذلك، كان هذا السجن تأديبياً للمخالفين من الشرطة والجيش؛ ثم أصبح نقطة عبور للمعتقلين بين الأفرع الأمنية والسجون في محافظات كحمص وحماة وبين (محكمة الإرهاب).

يبلغ عدد المعتقلين في السجن بين 4500 وقد يصل إلى أضعاف هذا الرقم، حين يتم تحويل معتقلين من سجن صيدنايا إليه. بحسب اللجنة السورية للتوثيق. وقد يصل إلى 10 آلاف معتقل كما تحدثت اللجنة السورية للمعتقلين. في حين وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان يقارب 645 حالة تحدثت عن التعذيب وسوء التغذية في السجن.

يقُسم السجناء فيه إلى عسكريين و “سياسيين، مدنيين شاركوا بالثورة”. وفرق كبير بينهما في المعاملة، حيث إن السجين السياسي أو سجين الثورة السورية لا زيارات له ولا طعام يكفيه، ودائماً ما يتعرض للضرب والتعذيب كما حدثنا شاهدنا أبو النور (اسم مستعار اختاره الشاهد لنفسه).

 

بين التعرية والزنزانات المنفردة والجثث

يروي “أبو النور” الذي قضى أكثر من عشرة أشهر في سجن البالونة بعد نقله إليه من سجن صيدنايا. وذلك عام 2014 بعد أن اقتربت فترة حكمه من الانتهاء حيث خفضت بسبب العفو الصادر في العام ذاته.

في قبو ذلك المبنى حيث وضعونا هناك ثلاثة مهاجع، لا يتجاوز طول الواحد منها 13 متراً وكنا فيه بين السبعين إلى المئة. نتكوم فيها كما كنا في سجن صيدنايا، ولا يمكننا النظر إلى السجان، فالتعامل يشبه إلى حد كبير ما كنا نعيشه ضمن سجن صيدنايا.

كان في المهجع معنا مرضى السل وداء الكبد، وقد رفض طبيب السجن معالجتهم أو حتى عزلهم، وكانوا يموتون بيننا، حيث لا مجال حتى في الزنزانة لعزلهم، فهي صغيرة بالنسبة لعددنا ومسافة البلاطة والنصف التي تكون حصة أي منا لا تكفي لعزل المرضى.

أذكر أنه كان معنا طفل عمره تقريباً سنة من مدينة إدلب، نُقل من صيدنايا مريضاً بالسل، والحمى تأكل جسده، رفض الطبيب علاجه إلى أن توفي. وبقيت الجثة بيننا لأيام عديدة، حيث نصحنا أحد السجانين بأن نبقيها حتى تتفسخ كي لايتم سرقة أعضاء المتوفي، لكنه كان يسخر منا، ولا يأخذون الجثة إلا بعد عدة أيام فعلاً، كي تنتقل العدوى من الجثة إلينا أيضاً بأكبر عدد ممكن. ودائماً ماتبقى الجثث معنا، علماً أن عدد الوفيات يزداد باستمرار، وفي كل يوم هناك حالات وفاة بسبب هذه الأمراض التي يرفض الطبيب المتواجد في السجن معالجتها أو حتى عزلها.

يتناوب على تعذيب المعتقلين اثنان برتبة مساعد فقط، رغم وجود العقيد والرائد، إلأ أن الأمور جميعها محصورة بين هذين المساعدين، وأغلب السجانين الذين صادفتهم من مدينة حلب، بعضهم كان يعاملنا ببعض الإنسانية

هناك عقوبات كثيرة نتعرض لها في هذا السجن، منها منفردات التعري، حيث يقوم المساعد بضرب المعتقل بشدة ثم يُرمى بتلك المنفردة لعدة أشهر عارياً من كل ملابسه، صيفاً أو شتاءً.

 

 

أذكر أني دخلت المنفردة عدة مرات، وهي عبارة عن حمام صغير يحتوي على تواليت هو حفرة في منتصف الغرفة وطبعاً لا تحتوي الزنزانة على الماء.

ويتعرض فيها المعتقل للضرب الشديد أيضاً، والحرمان من الطعام لعدة أيام أحياناً.

 

استراحة للتعذيب

يمر جميع المعتقلين الذين يتم نقلهم من محافظات أخرى إلى دمشق بسجن البالونة، حيث تكون الإستراحة ليومين أو ثلاثة. لكنها استراحة تشبه الموت كما يصفها سامي الحاج المعتقل من دير الزور حيث تم نقله إلى دمشق مروراً بالبالونة.

يروي سامي كيف تم استقباله ومن معه بحفلة ترحيبية كانت عبارة عن ضرب بالكبل الرباعي، حيث يجب أن تستقبل كل الضربات الموجهة إليك وأنت تدخل إلى المهجع المخصص للعابرين.

ويضيف سامي، تلقيتُ ضربة على رأسي بذلك الكبل كادت تسقطني أرضاً، ولو سقطت لما تمكنتُ من النجاة.

كما أكدت الناشطة نور الخطيب سوء السجن الذي يستقبل النساء أيضاً أثناء ذهابهم إلى دمشق حيث تقول: في السنة التي تم اعتقالي بها لم تكن محكمة الإرهاب قد أُنشئت بعد، لذا كنا نتحول إلى المحكمة العسكرية في دمشق، وكانت الأضابير الخاصة بنا يتم إنشاؤها وتحضيرها في سجن البالونة؛ حيث يتم التحقيق مجدداً معنا بشكل بسيط، والتقاط صور لنا هناك أيضاً.

يعتبر البالونة من أسوأ التجارب التي مررتُ بها تضيف نور، حيث كنا في نظارات متسخة جداً برائحة بشعة نتعرض للعنصرية بالتعامل من قبل “الضباط العلويين” الذين يقومون على تجهيز تلك الأضابير؛ الكثير من الشتائم والمسبات، وطبعاً لا طعام هناك سوى ما نقوم بشرائه من الشرطة السجانين.

تشير نور الخطيب أيضاً لوضع المعتقلين من الرجال الذين يتم نقلهم إلى السجن قائلة:

كانوا يبقونهم بالجنازير المكبلين بها، يتعرضون للضرب أحياناً، لايسمح لهم بالاستراحة أو الاستحمام. وكانوا يكدسون بأعداد كبيرة قد تتجاوز المئة بجنزير واحد في تلك المهاجع الصغيرة.

تقضي النساء القادمات من وإلى محكمة الإرهاب عبر المحافظات السورية أياماً في سجن البالونة، وفي كل مرة يتعرضن لتعذيب جديد وإهانات مختلفة.

 

انتشار الأمراض وتفشي السل والجرب

نقلت الكثير من وسائل الإعلام في الشهر الماضي عن انتشار عدوى السل بشكل ملفت بين معتقلي سجن البالونة، وكان ملاحظاً ازدياد أعداد الوفيات بحسب تقرير أورده موقع المدن. حيث تجاوز الستة في أسبوع واحد جميعهم كانوا مصابين بالسل؛ بالإضافة إلى أمراض أخرى كالجرب بدرجات متقدمة وداء الكبد الوبائي.

ويشار إلى أن جميع المصابين هم الذين تم نقلهم من سجن صيدنايا إلى البالونة. وبسبب قلة نظافة السجن وعدم خروج المعتقلين القادمين من صيدنايا للتنفس وسوء تهوية المهاجع يتم انتشار مثل هذه الأمراض بطريقة أسرع.

وقد أكد الصليب الأحمر الدولي أن نسبة الإصابة بمثل هذه الأوبئة في السجون السورية يفوق بــ 100ـ مرة الإصابة خارجها.

كما يذكر الصليب الأحمر أيضاً كيف أن الأمم المتحدة كانت تقدم مساعدات مالية كبيرة للنظام من أجل تحسين الأوضاع الطبية للمعتقلين وتوفير الأدوية لهم؛ لكنها توقفت في أيلول من العام الماضي بسبب عدم التزام النظام بشروط الرعاية الصحية للمعتقلين في سجونه.

 

زيارة السجن

تصف “أم محمد” وهي أم لعسكري معتقل في سجن البالونة الزيارة إلى السجن حيث تقول إنها تذهب إلى هناك مرة كل شهر؛ لم يعاملها الشرطة بسوء، لكنهم فقط يصادرون الكثير مما تحمل لسجينها، كما أنهم يمنعون الأدوية في السجن ويمنعون أن يجلبها أحدٌ معه.

وتضيف، يقفون بيني وبين ولدي ورغم أني أذهب إليه من دمشق إلا أنهم لا يسمحون لي سوى بدقائق فقط، لكني أحمد الله أنهم لايضربونه هنا.

لم أشاهد زيارات إلا للعساكر والضباط المسجونين، ولا أعرف أنّ هناك زيارات للمعتقلين السياسيين.

  

وأخيراً، يبدو أن سجن البالونة الذي يخفي الكثير من الأسرار لايختلف عن الأفرع الأمنية في شيء. وقد كان له دور كبير في كتابة ملفات العديد من المعتقلين المحولين أصلاً إلى المحكمة العسكرية، بالإضافة إلى السجناء من المنشقين العسكريين.

ويُذكر أيضاً أن الكثير من معتقلي سجن تدمر تم تحويلهم إلى البالونة وذلك ما زاد عدد المعتقلين فيه، وزاد نسبة الأمراض المنتشرة خصيصاً في البالونة.

لكن البعض يعتبر البالونة هو بمثابة استراحة حقيقية، لايتعرض فيها لأي نوع من الأذى والتعذيب، ودائماً ما تعود الأمور لمزاجية الضباط والمساعدين المتواجدين في أي فرع أو سجن داخل سورية.

 

المزيد للكاتبة