لم يكتفِ النظام بذلك، بل حرص على تصوير بعض المشاهد الوحشية التي أشرف عليها، ثم قام بتسريبها، لتغدو مادة جاهزة لشحن الكراهية والعداء من جهة الثوار، ولبثِّ الخوف والرعب داخل مواليه ما يدفعهم للدفاع عن أنفسهم والقتال في صفّه، تحسباً من تنفيذ عمليات انتقامية تمارسها عليهم الجهة الأولى، كما أوحى لهم نظامهم.
30 / تشرين أول / أكتوبر / 2018
*أحمد طلب الناصر
ليس بالبارود وحده يموت السوريون، وليس بالكيماوي أيضاً، بل ابتكر نظام الأسد العديد من أساليب القتل والتنكيل لإشباع شهوته الجُرمية المتجذّرة داخل خلاياه المتوحشة.
فلجأت عصابات النظام إلى ارتكاب العديد من المجازر بحق المدنيين العزّل، مستخدمة “السلاح الأبيض”، كالسكاكين والسيوف والخناجر والسواطير، بدءاً من السنة الثانية للثورة السورية، والتي شهدت ظهور العديد من فصائل الجيش الحر وانتشاره داخل المناطق الثائرة، وتحريره جزءاً واسعاً منها؛ وصولاً إلى نهاية السنة الثالثة من الثورة، حيث سُجّلت خلال تلك الفترة أعلى نسبة من ارتكاب المذابح بحقّ المدنيين؛ إذ ارتكب الأسد ونظامه ما لا يقل عن 21 مجزرة بالسلاح الأبيض، بين فبراير/ شباط ٢٠١٢ إلى نوفمبر/ تشرين الثاني 2013.
فمن هي الأطراف الرئيسة المسؤولة عن ارتكاب تلك الجرائم؟ وما دوافع النظام لارتكابها بالسلاح الأبيض على الرغم من امتلاكه جميع صنوف الأسلحة الآلية الخفيفة والثقيلة؟ وما هي المناطق التي ارتكبت فيها مذابح الأسد وكيف جرت؟
هذه الأسئلة مجتمعة، سنحاول الإجابة عليها من خلال هذا التقرير.
- قواسم المذابح المشتركة:
تقاطعت جميع المناطق التي شهدت جرائم القتل الجماعية بالسلاح الأبيض، في عدة نقاط، منها:
1 ) تعرض معظمها للقصف المدفعي العنيف قبيل ارتكاب المجازر فيها.
2 ) نُفّذت جميعها بواسطة فرقة واحدة مدربة راحت تتنقّل بين المدن السورية الثائرة كحمص ودرعا ودمشق وحلب وحماة ودير الزور وإدلب، عرفت لاحقًا باسم “فرقة الموت”.
3 ) كان قوام فرقة الموت تتألف من: الحرس الجمهوري التابع للنظام (400 عنصراً)، وعناصر من الحرس الثوري الإيراني (50 عنصراً على أقل تقدير)، وعناصر من حزب الله، بالإضافة إلى الشبيحة أو ما تم إطلاق مسمى “الدفاع الوطني” عليهم.
4 ) ارتكبت ست مجازر في محافظة حماة وحدها، بالإضافة إلى خمس في حمص، وثلاث في ريف دمشق وثلاث مجازر في بانياس، أما حلب ودرعا وإدلب ودير الزور فقد ارتكبت فرقة الموت مجزرة في كل منها.
ويجب أن نشير إلى أن معظم المجازر المذكورة لم تتم داخل مناطق تتبع لسيطرة الجيش الحر، بل كانت خاضعة بشكل جزئي أو كامل لسيطرة نظام الأسد؛ وسنمر على ذكر كل واحدة منها لإلقاء الضوء على تفاصيل المكان والزمان وأعداد الضحايا.
- لماذا بالسلاح الأبيض؟
كما سبق وذكرنا، فإن جميع المجازر وقعت خلال العامين التاليين لانطلاقة الثورة السورية؛ وأثناء تلك المرحلة كان النظام يسخّر جميع جهوده لتحقيق غايتين اثنتين بالدرجة الأولى:
الأولى: تأجيج نار الصراع الطائفي والمذهبي لحرف الثورة عن مسارها السلمي والوطني.
الثانية: خداع المجتمع الدولي وإقناعه بأن الأطراف الثائرة عبارة عن عصابات إرهابية، لا سيما بعد بروز التشكيلات الإسلامية الراديكالية مطلع العام 2012.
وأمام عجزه بداية الأمر في تحقيق أيّ من الغايتين، لجأ إلى تنفيذ مخططه الشيطاني في ارتكاب المجازر الدموية بطريقة الذبح والحرق والتمثيل بالجثث داخل المناطق ذات الأغلبية “السنّية” لإدراكه مدى تأثيرها التحريضي على النفس وانعكاساتها السلبية على المكوّنات السورية كافة.
ولم يكتفِ النظام بذلك، بل حرص على تصوير بعض المشاهد الوحشية التي أشرف عليها، ثم قام بتسريبها، لتغدو مادة جاهزة لشحن الكراهية والعداء من جهة الثوار، ولبثِّ الخوف والرعب داخل مواليه ما يدفعهم للدفاع عن أنفسهم والقتال في صفّه، تحسباً من تنفيذ عمليات انتقامية تمارسها عليهم الجهة الأولى، كما أوحى لهم نظامهم.
ولا شك أن النظام نجح نسبياً في تأجيج مشاعر بعض الفصائل المسلحة وتيارات المعارضة السياسية، ليأخذ الحراك الثوري في بعض المناطق السورية ذات التنوع السكاني المذهبي، أبعاداً طائفية وعنصرية، تم التعبير عنها بالقول أو بالكتابة في أغلب الأحيان ولم يتم الانتقام بارتكاب جرائم مماثلة بحق مؤيدي النظام أو مقاتليه إلا في حالات فردية نادرة؛ رغم الممارسات التي تعرّض لها ضحايا المجازر، وجلّهم من الأطفال والنساء؛ كما أن “فرقة الموت” تقصّدت حفر عبارات بدلالات طائفية واضحة على الجدران وأجساد الضحايا قبل انسحابها من مكان الجريمة.
بعد ذلك، راح إعلام النظام يسوّق لمؤيديه وللمجتمع الدولي أخباراً يتهم من خلالها فصائل المعارضة (الجماعات الإرهابية المسلحة حسب ادّعائه) بارتكاب تلك المجازر لإرهاب الناس وإرغامهم على الوقوف ضد نظام الأسد، الذي لا يستخدم سوى الأسلحة النارية في حربه ضد المعارضين (حسب تبرير ودفاع ممثلي النظام المتكرر كلما تم اتهامه بمجزرة جديدة، بالسلاح الأبيض أو البراميل أو الكيماوي).
إذن، تلك كانت الغاية التي أراد النظام بلوغها من خلال ارتكابه لمذابح السلاح الأبيض.
- إحصاء الدم والسكاكين!
تمكن النشطاء المحليون من جمع معظم تفاصيل المجازر التي حصلت داخل مناطقهم؛ إلا أنهم لم يتمكنوا من حصر الأعداد والأسماء بدقّة في مناطق أخرى لأسباب تتعلق بتشوّه ملامح البعض، وفقدان بطاقات الهوية، بالإضافة إلى تعرّض قسم من الضحايا للحرق بعد ذبحهم، كما حصل على سبيل المثال في مجزرة دير الزور.
ومن خلال الجدول التالي سنقوم بذكر التفاصيل العامة المحيطة بكل مجزرة، مما تم الحصول عليه؛ ومن بين تلك المجازر ما تكلمنا عنها في تقارير سابقة لــ: “مع العدالة”، كمجزرة “كرم الزيتون والعدوية” ومجزرة “دير الزور”، ومنها ما سنحاول الحديث عنها بشكل مفصّل في تقارير لاحقة:
- وتستمر المذبحة:
استعرضنا المذابح التي ارتكبها نظام الأسد وحلفاؤه من الميليشيات الطائفية منذ شهر شباط/ فبراير 2012 لغاية منتصف شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، والتي غطت معظم بقاع الجغرافيا السورية؛ إلا أننا لا نستبعد وقوع غيرها في مناطق وأماكن أخرى قبل تلك الفترة أو خلالها، وخاصة بحقّ المختطفين والمغيّبين والمعتقلين الذين نجهل حتى هذه اللحظة مصير عشرات الآلاف منهم.
وأيضاً، لم تتوقف عجلة الذبح بعد انقضاء تلك السنتين، بل استمرت ولكن بصورة مختلفة في بعض الأحايين، كأن يقوم النظام بفتح الطريق أمام عناصر تنظيم “داعش” لاختراق مناطق سيطرته والقيام بذبح وطعن المدنيين فيها كلما حاول –نظام الأسد-إعادة إخضاع الأخيرين وترهيبهم، كما حصل على سبيل المثال في كل من قرى مدينة “سلمية” ومدينة “السويداء”.
كما قامت فرق الشبيحة، بتاريخ 4 أيلول/ سبتمبر2017، بقتل 18 مدنياً من قرية “معرزاف” في ريف حماة، بينهم سبعة أطفال وأربع نساء، وذلك أثناء عملهم في أرضهم في مزرعة قرب قرية “الهوات” الخاضعة لسيطرة نظام الأسد؛ وتم قتل معظم الضحايا بالسكاكين والسواطير.
وبذلك، تم تسجيل ما يزيد عن 2900 شخصاً تم قتلهم بجميع أنواع “السلاح الأبيض” الذي غدا أحمر بلون دم السوريين.
.
.