قاموا باغتصاب الجميع ولم يسلم من أنيابهم الدنيئة أحد من المعتقلات، حتى أصبحت تلك العادة شيئاً من الفرض ، صباحاً نتعرض للتعذيب ومساءً للاغتصاب .
12 / تشرين ثاني / نوفمبر / 2020
*مع العدالة | ضحايا
قد تتشابه روايات المعتقلين لدى أجهزة الأمن السورية وقد يراها المشاهد أو القارئ قصصاً خيالية بعيدة عن الواقع، لكن من عاش التجربة سيجد نفسه يعيد تجربة الاعتقال مع كل حكاية يسمعها .
تُعّرف المعتقلة السابقة لدى أجهزة الأمن التابعة للنظام السوري السيدة ( مريم خليف ) عن نفسها قائلة : قبل اشتعال فتيل الثورة على أركان النظام كنت فتاة مدللة في عائلتي، درست وتوظفت وعشت مع أبي وأمي وإخوتي، من ثم مع زوجي وأولادي وفي ذلك الحين، كنت متعلقة بشدة بوالديْ، الذي كان مولعاً بالزراعة، فقد أنشأ حديقة ضمت أجمل النباتات، والزهور، فكنت أذهب إليه لنجلس في حديقته نشرب القهوة، والأركيلة سوياً ونتسامر. كانت تلك من أجمل لحظات عمري التي حفرت مكانها في الذاكرة كما حفر الاعتقال جرحاً فيي لن يندمل .
– في بداية الثورة السورية خرجت مريم حالها كحال معظم السوريين للمطالبة بحرية الشعب وتحقيق عدالته، حيث تقبلت عائلتها الأمر بغصة، خوفاً عليها من الاعتقال، بقيت هكذا حتى حدثت مجزرة ( أطفال الحرية ) والتي راح ضحيتها مئات الأشخاص بين قتيل وجريح من شباب وأطفال وكبار بالسن، عندها تقول السيدة مريم :
حين حدثت المجزرة كنت قريبة من أحد المشافي الميدانية، فدفعني واجبي الإنساني للذهاب إلى المشفى، فكان المشهد أفظع مما قد يتصوره دماغ بشري؛ الجثث تملأ الأرض.. أطفال موتى نساء مصابة كأنه الجحيم وقد حل على هذا المكان ومع التقاطي هذا المشهد، قطعت عهداً أن أقوم بما أقدر عليه لمساعدة هذا الشعب المكلوم، فتمرنت في دار الاستشفاء كممرضة عمليات وصرت أخرج متخفية حاملة حقيبة الإسعافات على ظهري لأقوم بمساعدة المصابين. أخرجت رصاصات من أطراف وأجساد ،ضمدت جراح كنت أقوم بكل ما استطعت فعله .
ومع بروز اسم مريم في تقديمها المساعدة الطبية للمتظاهرين والمصابين خرجت باسمها بطاقة بحث من مراكز الأمن فصارت مطلوبة لدى الأمن السوري، ومع علمها بذلك بعد مداهمة بيت أهلها، وبيتها تخفت عن الأنظار لمدة أربعة أشهر لم تتوانَ خلالها عن تقديم المساعدة الطبية، فقد قضت معظمها متنقلة بين المشافي الميدانية والمنازل، إلى أن تمكن الحنين لأولادها وأهلها منها فخرجت في أحد الأيام في الساعة السادسة فجراً متخفية عن أعين عناصر الأمن وعملائهم ووصلت بيت أهلها، فتقول :
حضنت أولادي وأمي، أشبعت قلبي من رائحتهم ثم دخلت الحمام واستحميت فخرجت لآكل من أطباق أمي التي افتقدها لفترة من الزمن وأنا أمد يدي إلى الثلاجة لم أسمع إلا صوتاً اخترق أذني كأنه زلزال وإذ بعناصر مسلحين قد خلعوا باب بيت أهلي ودخلوا بهمجية مفزعة فارتعد أطفالي خوفاً كما حال جميع من كانوا في المنزل ، وبعد سؤالهم عن ماذا يبحثون كان الرد ( نريد مريم خليف ) فقلت لهم أنا مريم وبدون أن يتركوا لي مجالاً لألبس ثيابي قاموا بسحلي فوراً وأخرجوني إلى الشارع شبه عارية فقام الرجال المتواجدون في الحي ( وهم من الجيران ) بطأطأة رؤوسهم وقامت إحدى الجارات بالركض اتجاهي وأنا مكبلة ورمت على جسدي وشاحاً كانت ترتديه على رأسها، فقام رجال الأمن بإدخالي في المصفحة عندها تفاجأت بوجود خمس نساء فيها .
وهنا بدأ فصل الاعتقال والتعذيب :
تقول مريم : وضعوني في المصفحة مع الأخريات وبقينا طوال الطريق نتعرض للضرب والإهانة، ضرب بمؤخرات البندقيات ودعس بالأحذية العسكرية وبكاء اختلط بشيء من اللاشعور، حينها لم نكن ندري إلى أين تذهب بنا المصفحة فقد كانت مغلقة وبلا نوافذ، بقينا على هذه الحالة إلى أن وصلنا لأمام بناء فقاموا بإنزالنا بذات الطريقة التي أصعدونا بها فقط كنا نسمع شيئاً مختلفاً ، جملة ( إجو الأرهابيات ) ما تزال تطن في أذني إلى الآن .
في المبنى أدخلونا جميعاً إلى غرفة يتربع على عرشها ضابط ما زلت أذكر اسمه ورتبته فقد حفر على جسدي ذنباً لن يمحى ( المقدم / سليمان ) وهو من سكان محافظة طرطوس . كان جالساً خلف طاولته يأكل الفستق ويرمينا بالقشور، وبالطبع لم يخلُ المشهد من الشتائم والقدح، كان الأمر مذلاً جداً فقد كانت برفقتنا امرأة عمرها 55 عاماً بالإضافة لفتيات صغيرات ( طالبات جامعة ) فقاموا بتصويرنا وتسجيل بياناتنا الشخصية ثم فرقونا كل منا باتجاه .
لم تتوان أجهزة الأمن السورية عن استخدام أية طريقة لانتزاع معلومات أو لإذلال وقهر وقتل المعتقلين وقد رآي معظمنا أو سمع عن الابتكارات التي أبدعت بها تلك الأجهزة من الكرسي الألماني المستحدث إلى بساط الريح إلى الدولاب وغيرها، عن تلك الفترة تقول مريم : أدخلوني إلى الحمام نزعوا عني معظم ثيابي وعلقوني بطريقة الشبح ( طريقة باتت معروفة لدى معظم السوريين ) ثم قاموا بضربي، لا أعلم من أين مصدر الضرب ولا حتى الأدوات التي استخدموها لشدة ما تألمت حينها، وقاموا بالتركيز على خاصرتي اليسرى لأكتشف لاحقاً أنني بدأت أعاني من ضمور في الكلية اليسرى وذلك من آثار التعذيب ، وقد كانوا يسمعوننا أغنية متكررة ومرافقة لجولات التعذيب وهي أغنية ( نحن رجالك بشار ) تلك السمفونية الإجرامية التي اكتويت بنارها، وبعد جولات مطولة من التعذيب قاموا بإنزالنا إلى زنزانة في الطوابق السفلية، مكان لن أنساه ولا أريد التحدث عنه، يشبه كل شيء إلا مكان تحتجز فيه مجموعة من النساء .
الفترة الأولى في الزنزانة :
كنت أفكر بداخلي أنني لن أتعرض للتعذيب بعدما نلت ما يكفيني منه لكن هذه الفكرة كانت مجرد أمنية فقد بدأ العناصر بالدخول إلى زنزانتنا مساءً حيث يقومون بانتقاء الفتيات الجميلات ويأخذونهن إلى غرفة المقدم ليعدن في أسوء حال وقد نلت ما نلت من تلك الحفلات السريالية، فقد كان في غرفة المقدم باب يؤدي إلى غرفة خلفية يتواجد فيها سريران ومنضدة تحتوي على مشروبات كحولية ومكسرات وهي أدوات أبشع للتعذيب فقد كانوا يصعدون بنا ليلاً إلى تلك الغرفة ليقوموا بالتناوب على اغتصابنا واحدة تلو الآخرى هم وضيوفهم الأعلى رتبة والأقل رتبة وحتى عناصرهم، حيث كان يردد المقدم سليمان ( بدي فرجيكم شو معنى الحرية / هي الحرية )؛ اغتصبوا إحدى صديقاتي أمامي وقاموا باغتصاب صديقتي الأخرى وهي حامل في شهرها السابع ولشدة ما عنفوها جسدياً وضعت مولودها في تلك اللحظات الصعبة وأمام ناظريّ ، قاموا باغتصاب الجميع ولم يسلم من أنيابهم الدنيئة أحد من المعتقلات، حتى أصبحت تلك العادة شيئاً من الفرض ، صباحاً نتعرض للتعذيب ومساءً للاغتصاب .
عن حياتها في الغربة وعن سوريا تقول مريم :
بشار الأسد مسح سوريا التي نعرفها.. قام بمحوها بالنار والبارود ، سوريا كانت وما زالت في دمي وقطعة من روحي ، أنا هنا وحيدة ليس لي أحد أستند إليه، زوجي تخلى عني وعن أولادي بسبب تعرضي للاغتصاب ، ابنتي الصغيرة لا تعرف أباها ، أهلي تخلوا عني ، عندما خرجت من المعتقل ذهبت إلى بيت أهلي فقامت أمي بطردي خوفاً من إخوتي، قالت : ( أنتِ تعرضت للاغتصاب وسيقوم إخوتك بقتلك لغسل شرفهم ) ، نحن مجتمع شرقي تُقتل فيه المرأة مرتين، مرة حين تتعرض لمثل هكذا جريمة ومرة من محيطها بداعي الشرف… لا أريد شيئاً الآن فقط أريد أن أحضن أمي.