تجربة الاعتقال بمجملها تجربة مريرة فيها انتهاك للإنسانية، ويجب على الأشخاص احترام كل سيدة مرت بهذه التجربة بما فيها من تفاصيل مؤلمة
03 / أيار / مايو / 2019
المصدر : عنب بلدي
في مجتمع يُحمّل الضحية المسؤولية عما قد تتعرض له من اعتقال وتعذيب واغتصاب فقط لكونها امرأة، تعاني الناجية من الاعتقال الموت مرتين بسبب الطريقة الهمجية التي يتعامل بها مجتمعها معها، لتواجه مصيرًا بائسًا ومستقبلًا أشد وقعًا على نفسها مما قد واجهته من جحيم الاعتقال، فكثير من الأسر تعتبر أن ما تعرضت له ابنتهم في السجن من اغتصاب أو تحرش جنسي هو عار يلازمها، وكأنها هي التي اختارت ذلك بنفسها.
وتوجه الاتهامات للمعتقلة بأنها حتمًا قد تعرضت للاغتصاب، وتُرفع أصابع الاتهام في وجهها رغم كونها ضحية، ويتناسى المجتمع المحيط كل ما قد تعرضت له من ظلم وجور وتعذيب محملًا إياها الإثم والعار والرذيلة.
اتهامات جزافية
تروي شيماء وهي معتقلة سابقة من حمص، احتُجزت منذ بداية عام 2013 وحتى نهاية عام 2014، ما تعانيه من نظرات المجتمع واتهاماته عندما يعرفون أنها ناجية من الاعتقال.
وتعتبر شيماء أن مجتمعاتنا لا تستوعب معنى أن تكون معتقلة، وأن أول ما يستفسرون عنه هو “بس ما يكون عملولك شي؟”، دون أن يبدوا أي اهتمام لأي أمر آخر، كأن تكون قد تعرضت للضرب أو التعذيب أو الإهانة.
وأضافت أنها عندما تؤكد لهم عدم تعرضها للاغتصاب تشعر أنهم يشكّون في كلامها، ولا يقتنعون أو يصدقون.
وتتابع، “لم أعد أذكر لأحد أنني كنت معتقلة لأن مجتمعنا (عقله صغير)، وحتى لو افترضنا أن ذلك قد حصل لا أدري كيف سيتعاملون معها (الضحية)”.
الشك الدائم بالناجية سبب لمعاناتها النفسية
زينب التي تعرضت للاعتقال مع ابنتها المراهقة في منطقة القابون بدمشق، في الشهر العاشر من عام 2011 لمدة ثلاثة أشهر، قالت من جانبها إن حالها وحال ابنتها لدى خروجهما من المعتقل هو أصعب مما كان عليه داخله.
وأشارت زينب إلى أن صديقات ابنتها يتجنبونها، وقد أخبروها صراحة أن أهلهم نبهوهم بألا يتحدثوا معها لأنها كانت في السجن، ويتابعون، “ولا ندري ما الذي فعلوه بك هناك ونحن لا يناسبنا أن نتحدث أو أن نسير معك”.
وأضافت أن ابنتها أصبحت موضع شك، حتى أن أقرباء زوجها طلبوا منه أن يفحص ابنته عند الطبيب، وهو ما قد سبب لها تعبًا نفسيًا شديدًا.
من جانبها اعتبرت أميرة طيار من حماة والتي اعتقلت في الشهر العاشر من عام 2014 لمدة خمسة أشهر، أن توثيق المنظمات للاغتصاب ونشرها لتلك التفاصيل هو ما يقود إلى النظرة المجتمعية السيئة، بحسب تعبيرها.
وأضافت، “كل المنظمات تقول ذلك، الناس تنظر نظرة سيئة بأن هذه المعتقلة مغتصبة، أي كل المجتمع ينظر نظرة سيئة بسبب هذه الكلمة… وثقوا على الورق لا تنشروا ذلك”.
تجنب إضفاء التوقعات وإسقاط التجارب
اختصاصية الدعم النفسي الاجتماعي، سماح سالمة، أكدت من جهتها أن على المجمع تفهم فكرة أن وجود عدد من حالات الاغتصاب في السجون، لايعني على الإطلاق أن كل معتقلة قد تعرضت للاغتصاب.
وبيّنت أن تعامل المجتمع يجب أن يكون بالتركيز على الجانب الحقيقي لقصة الناجية، والابتعاد عن إضفاء توقعاتنا عما جرى معها أو إسقاط تجارب اعتقال الأخريات وما مررن به على جميع التجارب.
ولفتت إلى أن تجربة الاعتقال بمجملها تجربة مريرة فيها انتهاك للإنسانية، ويجب على الأشخاص احترام كل سيدة مرت بهذه التجربة بما فيها من تفاصيل مؤلمة.
وعن كيفية تجاوز تجربة الاغتصاب وتبعاته النفسية عليها في حال تعرض المعتقلة لذلك، أشارت سالمة إلى أن حياة الناجية النفسية والاجتماعية قد تتأثر جراء تعرضها لهذه التجربة.
ولفتت إلى أنها قد تعاني من وجود ذكريات متكررة وملحة تجعل الناجية تسترجع حادثة الاغتصاب، أو تعاني من مشاعر الذنب ولوم الذات، أو أنها قد تواجه صعوبة في العودة لأداء دورها الاجتماعي وعلاقاتها الأسرية الطبيعية.
وبيّنت سالمة أن خدمات الدعم النفسي الاجتماعي تساعد السيدة على تجاوز هذه الصعوبات والمشاعر السلبية للوصول إلى العافية النفسية.
التشجيع على الانخراط في الأنشطة الاجتماعية
وعن ما يمكن للناجية من الاعتقال عمله لتخطي تجربة خذلان محيطها وتخليهم عنها بعد خروجها من المعتقل، أشارت سالمة إلى أن عليها متابعة وضعها النفسي في المراكز المختصة، وأن تعمل على الانخراط في الأنشطة الاجتماعية عندما تكون قادرة على ذلك، كما أن العودة إلى عملها يساعدها على تجاوز أو تقليل الألم النفسي الذي تشعر به كنتيجة لمرورها بهذه التجربة.
إبداء الاحترام للناجيات وتقبلهنّ
وأكدت سالمة أن التعامل مع الناجيات من الاعتقال يستوجب إشعارهنّ بالأمان والتقبل مع تجنب إلقاء اللوم عليهنّ أو تأنيبهنّ، كما يجب الانتباه إلى أن الضغط عليهنّ أو محاصرتهنّ بالأسئلة لرواية ما جرى لهنّ في أثناء فترة الاعتقال قد يكون له أثر نفسي سلبي على الناجيات.
وأوضحت أنه يحب أن يتاح للناجيات كافة أشكال الدعم النفسي والاجتماعي والصحي، إذ إن تجربة الاعتقال بمجملها تشكل انتهاكًا للإنسان، ويجب على المجتمع المحيط بالناجية أن يكون مساندًا وداعمًا لها، وأن لا يلعب دور المكمل لهذا الانتهاك برفضه لها أو توجيه اللوم والانتقاد لها.