تحدث ناشطون حقوقيون عن قيام النظام بإطلاق سراح العشرات من المتهمات بقضايا دعارة، ثم بعد عدة أيام ألقى القبض عليهن ووجه لهن تهم خاصة بالإرهاب، كالتواصل مع جهات معارضة أو العمل مع جهات دولية معارضة للنظام في سورية وتمت محاكمتهن على هذا الأساس.
12 / أيلول / سبتمبر / 2018
*سائد الشخلها
بدأت ظاهرة اعتقال معارضي الأنظمة في سورية منذ استقلالها عام 1948، حيث توالى على الحكم 17 رئيساً أربعة منهم لولايتين رئاسيتين، وكان معظمهم من أصحاب الخلفية العسكرية، والتي ترفض حالة التعددية السياسية واختلاف الآراء.
بدأت ظاهرة الاعتقال تأخذ منحى أكثر دموية وشمولية في عهد حافظ الأسد، الذي عمل على كسر المجتمع بجميع الطرق والوسائل المتاحة، بما فيها اعتقال النساء وإخفائهن قسرياً، ولم تشمل قائمة المعتقلات فقط، المعارضات لحكمه، بل تجاوزتها للوصول لاعتقال النساء اللواتي ينتمين لعوائل أو مدن معارضة له، كما حدث لـ”هبا الدباغ” التي اعتقلت لتسع سنوات بسبب انتماء أخيها لجماعة معارضة للنظام، والتي نشرت تفاصيله في كتابها “خمس دقائق فحسب..تسع سنوات في سجون سورية”، أو ما حدث للمحامية أمل النعساني التي اعتقلت ل15 عاماً عندما كانت طفلة لأنها من مدينة حماة التي ثارت على الأسد في بداية الثمانينات وغيرهن كثير.
ومع انطلاق الثورة السورية بوجه نظام بشار الأسد، أخذت الأمور منحى مخيف، حيث قامت الأجهزة الأمنية باعتقال آلاف النساء من خلفيات ومدن مختلفة، في محاولة منه لكسر ثورة الشعب، حيث تحدثت تقارير أصدرتها الشبكة السورية أواخر عام 2017، عن اعتقال ما يقارب 8000 سيدة بينهم 300 طفلة وحوالي 2000 سيدة مختفية قسرياً وآلاف الناجيات من الاعتقال.
معتقلاتٌ ومجرمات
مالم يسبق حدوثه في سورية، حتى في عهد الأسد الأب، هو الطريقة التي تعامل فيها النظام مع معتقلات الرأي، إذ يعمد إلى زجهن في أفرع متعددة، ويتم التحقيق معهن بطرق مهينة، وكذلك محاكمتهن على أنهن مجرمات، ووضعهن في سجون مختلطة مع مدانات بأحكام لا تمت للحراك الثوري بصلة، وعدم تخصيص عنابر خاصة لهن، وهذا ما عزاه بعض المحللين لعدم احتياج النظام في السنوات السابقة لسجون سياسية خاصة بالنساء، على غرار سجن تدمر سيئ السمعة، وسجن صيدنايا؛ أما آخرون ذهبوا لأبعد من ذلك، حيث قالوا إن ما فعله النظام ما هو إلا طريقة لكسر شوكة المرأة الثائرة وتشويه صورتها في المجتمع، وتحويلهن بنظر الجميع من مناضلات إلى مجرمات.
أما لمى وهي إحدى الناجيات قالت: “كانت السجون التي نحن فيها إحدى أهم الأماكن لكسرنا، حتى أكثر من الأفرع الأمنية، حيث تواجدنا مع السجينات المتهمات بالقتل والدعارة، يجعلنا ضمن سجنين معاً، الأول تلك القضبان التي تحد من حريتنا، والثاني هو وضعنا مع نساء ذات سوابق جنائية، ما يوصلنا إلى تفكير دائم أن ما فعلناه، غير مشابه لما فعلوه إلى حد كبير”.
وقال المحامي “علي محمد شريف”: وفق قواعد بانكوك، والقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، وقواعد بيجين، ومبادئ الرياض، فإنّ هناك معايير دولية لوضع السجناء، تفرض الفصل بين أماكن احتجاز كل من الجنسين، وأن يوزعوا على فئات مع مراعاة العمر وأسباب الاحتجاز والسوابق، ويجب فصل السجناء البالغين عن الأحداث، وفصل الموقوفين احتياطياً عن المحكومين، وكذلك لا يمكن وضع السجناء بتهم جنائية مثل القتل والخطف والتزوير مع السجناء بتهم أقل مثل المخالفات والتهم المدنية.
كما أنه لا يجب بأي شكل من الأشكال وضع معتقلي الرأي مع السجناء العاديين، لما فيه من أذى ومساس بكرامتهم، وبكل الأحوال، ينبغي عدم التمييز في المعاملة لأي سبب كان، بما فيه الرأي السياسي، مع ضرورة مراعاة الظروف والاحتياجات الخاصة بالنساء السجينات، ولا يمكن تفسير وضع النظام السوري لقاصرات مع البالغات، ومعارضات رأي مع مدانات بجرائم كالقتل والاختطاف، إلا لاستهتاره بالقيم وبحقوق الإنسان، وتجاوزه القواعد والمبادئ والمعايير الواردة في القوانين والاتفاقيات والمعاهدات الدولية سواء في زمن الحرب أو السلم.
مجرمات بتهم سياسية
وعلى غرار ما فعله النظام السوري من محاولات خلط أوراق المعتقلات وتشويه صورهن بزجهن بنفس سجون المدانات بتهم كالقتل والخطف والدعارة، قام بتقديم عدد من المعتقلات بجرائم عدة لمحكمة الإرهاب ومحاكمتهن على أنهن معتقلات رأي ، حيث قام النظام عام 2014 بتقديم فتاة ليل وزوجها للمحكمة لقتلهما عنصر أمن كان يبتزهما، واتهامهما بالانتماء لجماعة إرهابية مسلحة تقوم باختطاف عناصر الأمن وتصفيهم، وتم الحكم عليهما بــ 12عاماً.
وتحدث ناشطون حقوقيون عن قيام النظام بإطلاق سراح العشرات من المتهمات بقضايا دعارة، ثم بعد عدة أيام ألقى القبض عليهن ووجه لهن تهم خاصة بالإرهاب، كالتواصل مع جهات معارضة أو العمل مع جهات دولية معارضة للنظام في سورية وتمت محاكمتهن على هذا الأساس.
ومن هذه القصص، قصة الراقصة المعروفة باسم “وفاء” والتي تم إلقاء القبض عليها من قبل عنصر أمن حاول التودد لها لكنها صدته، ثم تم اتهامها بممارسة جهاد النكاح، وذلك لوجود رقم عسكري منشق في هاتفها المحمول كان أحد زبائنها، ومنذ ذلك الوقت، ووفاء تقبع في الزنزانة حيث حكم عليها بالحبس لثمان سنوات.
وعن أسباب هذا الخلط تقول الناجية لمى: “النظام هو المستفيد الوحيد من هذه الحركات القذرة لأن زرع تلك النسوة بيننا، من واجبه زعزعة مفهومنا لطهورية الثورة والثوار من جهة، ومن جهة أخرى، فهو يزرع بيننا جاسوسات لنقل جميع أخبارنا وتحركاتنا وحتى همساتنا للسجّانين، الذين لن يتوانوا عن كسر أي معتقلة إن شعروا أنها لاتزال تؤمن بالثورة وقيمها”.
وأما عن استفادة النظام على المدى البعيد من هذه اللعبة تقول لمى:” معظم تلك النساء بعد خروجهن من السجن اتجهن إلى الدول القريبة من سورية كالأردن ولبنان وتركيا، وقدمن أنفسهن على أنهن معتقلات رأي وناجيات من الاعتقال، مما أدى بهن للعمل مع المنظمات والهيئات الثورية باسم المعتقلات، وكنّ يروجن بطرق مباشرة أو غير مباشرة لصورة قد لا تكون المثلى عن المعتقلات، بينما لاتزال معظم المعتقلات الثائرات يقبعن في سجون الأسد، ويتلقين التعذيب الجسدي والنفسي كل يوم وعلى مدار الساعة.
معتقلات حسب الطلب
مع ظهور حالة تبادل الأسرى بين المعارضة المسلحة والنظام، ومطالبة المعارضة بالمعتقلات أولاً وتشديدها على خروجهن، ابتدع النظام حالة جديدة من الاعتقال، وهي اعتقال نساء على الحواجز والمدن التي يسيطر عليها بدون أية تهم، قبيل أي صفقة تبادل، ووضعهن في الصفقة بدلاً عن معتقلات الرأي اللائي يقبعن منذ سنين في السجون، أو وضع عدد كبير من تلك النسوة في الصفقة مع عدد قليل من المعتقلات، واللواتي تكون جهات المعارضة طالبت بهن بالاسم.
قالت دعاء ذات الـ22 عاماً:” تم اعتقالي مع ثلاث نساء كنّ معي داخل حافلة النقل الداخلي على حاجز داخل مدينة دمشق بدون سبب يذكر، وتم إيداعنا أحد الفروع، ولم يتم التحقيق معنا لمدة شهر، ثم بعد ذلك أخرجونا ووضعونا في سيارات عسكرية، وأخذونا لمنطقة صحراوية، حيث تم تسليمنا لمقاتلين آخرين عرفت فيما بعد أنهم من الجيش الحر في مدينة درعا، ومنذ ذلك الحين، لم أستطع العودة لأهلي، وذهبت للعيش ضمن مخيم الزعتري في الأردن لأني لا أعرف أحداً ألجأ إليه في درعا”.
أما الناشطة نسرين والتي تقبع في سجون الأسد منذ أربع سنين، تم وضع اسمها في أكثر من صفقة تبادل، ولم يوافق النظام على إخراجها في أي من تلك الصفقات، والكثيرات من المعتقلات مازلن مثل نسرين ينتظرن الخروج من تلك الزنازين التي يقبعن فيها مع الذل والخوف والموت.
قضية المعتقلات تعتبر القضية الأولى لدى ناشطي الثورة السورية، لما لها من أهمية لدى الثوار والمعارضين والمجتمع السوري كافة، لذا حاول النظام استخدامها كورقة ضغط على المعارضة السياسية، لأخذ تنازلات سياسية منها، وكذلك استخدمها ضد المعارضة العسكرية لوقف تقدمها، أو مبادلة عناصر وقعوا في الأسر لدى المعارضة العسكرية، وأولاً، استخدامها كورقة لإخضاع المجتمع وكسر شوكته وتفكيك بناه، ومع كل ذلك، يجب أن تبقى هذه القضية أهم قضايانا، حتى نرى آخر معتقل ومعتقلة محررين من سجون الأسد وأقبيته الأمنية.