يؤمن عدد كبير من السوريين بذاك اليوم المنتظر الذي يراقبون فيه مجريات محاكمات دولية لأبرز رموز نظام الأسد المسؤولين عن جملة من الانتهاكات بحق المدنيين في سوريا
16 / تشرين ثاني / نوفمبر / 2018
*فراس العلي _ مع العدالة
جهود حثيثة من هيئات حقوقية يقابلها محاولات نظام الأسد التكتم على الجرائم والتهرب من المسؤولية، في الوقت الذي تسعى فيه أطراف دولية إلى تثبيت حكم نظام الأسد، لكنه لن يتمكن من إخفاء صوت ثلاثة مليون مصاب سوري، نصفهم يعانون من إعاقات دائمة جراء تعرضهم للقصف والتعذيب والاعتقال.
قصص وروايات توثقها ما ينشره الصحفيون السوريون في تقاريرهم حول معاناة مصابي الحرب، ومحاولات الاعتياد على نمط الحياة الجديد والصعب، خاصة من فقد أحد أطرافه، فبات يتذكر ما حلّ به، ومن المسؤول عن ذلك، في كل مرة يحاول فعل شيء ما، فيتذكر أن أحد أطرافه قد سلبت منه بفعل إحدى القذائف أو الصواريخ التي رميت عليه.
منذ وقت ليس ببعيد التقيت بعائلة طفل فقد أحد أطرافه، قطعت يده اليسرى بسبب صاروخ موجه من الطيران الروسي، قصف قريتهم بريف حلب فأصاب جزءاً من منزل الطفل حيث كان قريباً من المكان.
في كل مرة يحاول الطفل أن يمسك حاجة ما، يتذكر أن يده قد بترت، فكيف لهذا الطفل أن ينسى ماحلّ به؟
انتقل ذوو الطفل إلى تركيا، أملاً بإيجاد طرف اصطناعي لابنهم، الذي عاد للدراسة لكنه بات يتعلم الكتابة بيده الأخرى، ورغم ما يصيبه من أزمات نفسية أثناء نومه إضافة لقلة أصدقائه بالمدرسة بسبب منظر يده المبتورة إلا أن الابتسامة لا تفارق وجهه.
- إحصائيات رسمية
لم تحصِ منظمة الصحة العالمية جميع الإصابات وبأنواعها في سوريا خلال السنوات الماضية، لكنها وصلت إلى توثيق أرقام مخيفة تمثل نسبة من تعداد الشعب السوري الكلّي وكارثة تاريخية لايمكن نسيانها.
وفي آخر إحصائية نشرتها المنظمة بالتعاون مع منظمة هانديكاب إنترناشيونال، أكدت من خلالها، إصابة ثلاثة ملايين سوري جراء الحرب من بينهم مليون ونصف أصيبوا بإعاقة دائمة منهم مليون طفل، مؤكدة أن 86 ألف ضمن الإحصائية تعرضوا لبتر أحد الأطراف معظمها حصلت بمناطق المعارضة.
وحصلت معظم الإصابات بسبب القصف الجوي الذي استهدف من خلاله كلاً من النظام والطيران الروسي وطيران التحالف المناطق المأهولة بالمدنيين، بذرائع مكافحة الإرهاب، لكن ما لايمكن تحديده الأشخاص المسؤولين بشكل مباشر عن هذه الضربات الجوية، فهذا الأمر موثق ضمن سجلات تمتلكها الأطراف الثلاثة فقط عدا عن بعض الحالات.
ولايستطيع جميع السوريين الذين فقدوا أحد أطرافهم أن يؤمنوا طرفاً اصطناعياً يساعدهم في حركتهم، فالجمعيات والمنظمات الأهلية والدولية التي خصصت جزءاً من مشاريعها لدعم مصابي الحرب ومدّهم بالأطراف قليلة، مقارنة بأعداد مصابي الحرب، بالإضافة إلى التكاليف المرتفعة لتأمين الأطراف الذكية.
ويظن البعض أن مصابي الحرب يقتصر ذكرهم على من فقد أحد أطرافه إلا أن الأمر يمتد ليشمل من تعرض لشظية أدت لتعطيل دور إحدى أعضاء جسده الأمر الذي يجعله عاجزاً عن إنجاز وظيفة ما أو تعرض لغاز سام أدى إلى إحداث تشوه في جسده.
وحصلت عدة حالات تشوه خلقي لولادات مدنيين سوريين استنشقوا غازات سامة، كان النظام قد استهدف بها مدن وبلدات ريف دمشق عشرات المرات، حيث وثقت منظمات حقوقية أكثر من 144 هجوماً بالأسلحة الكيماوية التي تضمنت استخدام غازات الخردل والكلورين والفوسفور والسارين ومواد سامة أخرى في ريفي دمشق وإدلب.
ووثقت تقارير حقوقية أخرى استخدام النظام في عام 2012 لغازات الأعصاب في حمص، حيث أصيب مدنيون بهلوسة واضطرابات سلوكية جراء استنشاق الغاز.
من جهة أخرى، رغم توقف المعارك بشكل نسبي لكن لاتزال ترد أنباء إلى الآن عن فقدان أشخاص حيواتهم أو إصابتهم بسبب انفجار لغم أرضي أو عبوة ناسفة بالقرب منهم، بينما يقف الموثقون لهذه الانتهاكات أمام مشاكل لعل أبرزها تحديد هوية المسؤول عن الفعل في بعض الأحيان.
لكن الحديث لا يمتد إلى ضرورة إحصاء جميع الانتهاكات بالمستقبل القريب في ظل البحث بقضايا الانتهاكات الأساسية التي تجسدت في ارتكاب النظام جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق مئات آلاف المدنيين السوريين، إضافة لملفات المعتقلين والمختفين قسرياً في غياهب سجونه.
- أين المفر؟
يؤمن عدد كبير من السوريين بذاك اليوم المنتظر الذي يراقبون فيه مجريات محاكمات دولية لأبرز رموز نظام الأسد المسؤولين عن جملة من الانتهاكات بحق المدنيين في سوريا، في الوقت الذي تنهمك فيه الهيئات الحقوقية بتوثيق ما يمكن توثيقه من الانتهاكات التي ارتكبها نظام الأسد عبر السنوات السابقة.
ومثلما يتذكر السوريون ما حصل في أحداث الثمانينيات عندما ارتكب النظام مجزرة بحق أهالي حماه والتي راح ضحيتها عشرات آلاف المدنيين على يد رفعت الأسد وغيره من ضباط النظام، لن تنسى أجيال متعاقبة من السوريين كيف تعامل النظام مع ملايين المطالبين بالحرية والكرامة.
وليس ما تتم المطالبة به يقتصر على محاكمة رموز نظام الأسد فحسب، بل تقديم كل طرف محلي أو أجنبي ارتكب انتهاكات في سوريا مستغلاً حالة الفوضى الحاصلة في مناطق المعارضة، بينما يعلق السوريون آمالهم على مدى جدية عدالة المنظمات الأممية في معالجة الملف السوري بشكل عادل وتحويل المجرمين إلى المحاكم الدولية.
ويبقى الشاهد الأكثر حفظاً لهذه الانتهاكات من النسيان أو طيّها في صفحات كتب التاريخ في العقود القادمة، الأطفال الذين شهدوا على ما حلّ بسوريا بسبب نظام الأسد وحلفائه، خاصة مع وجود نحو مليون طفل سوري تعرض للإصابة وباتت تفاصيل قصته محفورة في ذاكرته كاسمه.
في المقابل، لا يزال يعول ناشطون سوريون على المحاكم الدولية في مقاضاة رموز النظام مثلما حصل في قضايا دول عديدة نال من خلالها شخصيات ارتكبت جرائم ضد الإنسانية العقاب ولو بعد طول انتظار.
- الرعاية الصحية لذوي النفوذ
مثلما يتواجد في مناطق المعارضة مئات آلاف السوريين الذين تعرضوا لإعاقة مؤقتة ودائمة وإصابات جسدية ونفسية، يوجد أيضاً مصابو حرب في مناطق النظام، لكن الإحصائيات تختلف بشكل كبير، خاصة أن معظم مصابي الحرب في مناطق النظام هم عناصر دافعوا عن نظام الأسد وشاركوا في معارك دارت بمناطق سوريا وتعرضوا للإصابة.
ولايثير الاستغراب طريقة تعامل نظام الأسد مع مصابي الحرب في مناطقه، حيث يوجد آلاف المصابين بإعاقات دائمة لم يتلقوا العلاج المناسب أو يحصلوا على أطراف اصطناعية، سيما أن المراكز العلاجية قليلة وهي مخصصة فقط لذوي النفوذ والمحسوبيات.
واشتكى عبر مواقع التواصل الاجتماعي الآلاف من مصابي الحرب في مناطق النظام إهمال الأخير لهم بعدما “ضحوا من أجله” حسب اعتقاد معظمهم، مستائين من المحسوبيات والفساد الذي يسري في مختلف أروقة الدوائر الحكومية لدى النظام، فيما قلة قليلة منهم تلقى العلاج أو استحوذ على طرف اصطناعي بعد الاستعانة بذوي النفوذ.
وتعامل النظام مع مصابي الحرب بطريقة معيبة حيث تم إعفائهم من بعض الالتزامات المالية في بعض الأحيان وقدمت لهم هدايا رمزية في أحيانٍ أخرى.
وفي أيلول الفائت، أصدر الأسد مرسوماً أعفى فيه المصابين نتيجة الحرب بعجز كلي بنسبة 80% فما فوق من العناصر الحاصلين على قروض، وهم من ذوي الدخل المحدود من تسديد ما لا يزيد عن مليون ليرة سورية من الديون المترتبة عليهم.
وتولي حكومة نظام الأسد الاهتمام بملف إعادة الإعمار والتنسيق مع الدول الحليفة لها عن طريق نيل امتيازات اقتصادية في سوريا ومحاولة الاستحواذ على الأموال المخصصة لهذا الموضوع، أما ملف مصابي الحرب فقد عالجته بمنحهم تعويضات مشابهة لمرسوم الأسد بل وأقل من ذلك.
المزيد للكاتب ⇐ هنا