ساعدتها إحدى الفتيات المُعتقلات في خلع ملابسها لأّنها لا تستطيع ذلك لوحدها، إضافةً إلى أنّها لا تتمكن من إيصال المياه لرأسها، وكم دمعت عينيها حين رأت آثار الضرب المُبرح على كتفيها وآثار ربطها بالجنازير في يديها.
21 / تشرين أول / أكتوبر / 2018
من سلسلة “سوريات في سجون الأسد”
الأحداث برواية المعتقلة السابقة عائدة حاج يوسف:
بدافع الملل كنّا في جناح الإرهاب بسجن “عدرا” ننتظر مساء كُلّ يومٍ لنتعرف على وجوه بائسة وسيّدات أُخريات انضممن سابقاً لسجلّات الضحايا، حيث ينزلن في جناحنا بعد أن غُيّبن عن الحياة زوراً وبهتاناً في مختلف فروع نظام الأسد الأمنية، وذلك لغاية تحويلهنّ لما يُسمّونه في نظامهم الإجرامي “قضاء”.
“جميلة” سيّدة تبلغ من عمرها 40 عاما، تنحدر من إحدى قرى محافظة درعا، نزلت جناح الإرهاب بعد تحويلها من “فرع الجوّية” المُصنّف كأعنف فروع نظام الأسد الأمنية، لحدّة الموقف كُلّ السيّدات المُعتقلات السابقات أُصابتهن الدّهشة ناظرين باتجاهي، تدليت من سريري المرتفع ساخرةً وبعفوية قائلةً “شبكن مش أنا إلي اعتقلتها”.
اقتربت منها مُحتضنةً إياها كما نفعل عادةً مع السيّدات الجُدد للتخفيف عنهنّ، مّما وقع عليهنّ من مُعاناة وما تعرضن له من آلام في الفروع الأمنية، لكن “جميلة” لم يصل طولها لخاصرتي، قلت مازحةً “صدقوا ما كنت بعرف إنّي كل هالقد طويلة”، فجفّفت دموعها وبدأنا بالضحك وتحضير ما يلزمها من شامبو وصابون وتسخين مياه للاستحمام.
ساعدتها إحدى الفتيات المُعتقلات في خلع ملابسها لأّنها لا تستطيع ذلك لوحدها، إضافةً إلى أنّها لا تتمكن من إيصال المياه لرأسها، وكم دمعت عينيها حين رأت آثار الضرب المُبرح على كتفيها وآثار ربطها بالجنازير في يديها.
ردّدت السيّدة أم إياد “كم نحن بنعمةٍ من الله” علماً أنّها مُعتقلة من مدينتها “مضايا” في “ريف دمشق” بسبب مكالمة اطمئنان أجراها ابنها من هاتفها الشخصي مع أحد أصدقائه الذي يعمل مع إحدى القوى المناوئة لنظام الأسد، وحضّرت لها صحنا من طعام “مجدرة” المُزيّن بالحصى كما العادة، واضّطررنا لرفع “جميلة” على السرير لتتمكن من تناول طعامها، وحين وضعت إحدى السيّدات كبسولة دواء الضغط في يدها سقطت الكبسولة أرضاً ولم تستطيع “جميلة” التقاطها لأنّها لا تملك سوى العقدة الأولى من كُل أصابعها، وكانت تنام بجانبنا دائماً خشيةً من أن تدوسها إحدى السيّدات المُعتقلات خطأً.
كيف اعتقلت
حاجز لنظام الأسد اعتقل “جميلة”، اعتقدت بدايةً أنّها نوع من المُزاح، أحد عناصر الحاجز قال لها يُمكن أن يكون “تشابه أسماء” ليس إّلا، ولم تصدّق الموقف حتى وصلت إلى “فرع الجويّة” ماكثةً في أقبيته ثلاثة شهور متواصلة وسط الإهانات والتعذيب و”الشبح” بتهمة “تهريب السلاح ومُعالجة المسلحين”.
“ميريانا” الدجاجة الذهبية التي سبق أن تحدثنا عنها سابقا، لم تُوفّر “جميلة” وأوعزت لمندوبتها الخاصّة في “جناح الإرهاب” بتحصيل ما تستطيع من “مصاغ وأموال” المُعتقلات الجديدات بمن فيهم “جميلة” لصالح العقيد “عدنان سليمان” مدير السجن، ومن شدّة قصر قامة “جميلة” ووزنها الهزيل ووضعها الصحّي المُزري حتى العقيد ذاته تعاطف معها قائلاً في التأمين المسائي “ألم يبقَ نساء في البلد حتى يقتادوا لنا هذه”.
خلال العشرة أيام التي قضتها “جميلة” معنا لم تذكر على لسانها إطلاقاً كلمات “الجيش الحر، الثورة، النظام، وكُل ما يتعلق بالسياسة، ولم تنسَ أبداً والديها الذين، رغم كبر سنّهما، كانا يُحضّران لها احتياجاتها اليومية وفقاً لظروفها الصحّية كسرير صغير وقاعدة مرآة قصيرة وطاولة ومُستلزمات أُخرى تتناسب بالضرورة مع حالتها.
ليلة عرضها على القضاء ارتعدت رعبا من أن يتم إيقافها مثلنا في السجن وأمضته باكيةً يملأ القهر كلّ تفاصيلها، لكن أُطلق سراحها فوراً في أول جلسة مُحاكمة.
يا ترى كيف عالجت “جميلة” إصابات المُسلّحين وهي دون أصابع؟ وكيف هرّبت لهم السلاح وحملته بوزنها الّذي لا يتجاوز الثلاثين كيلو؟
وكيف ساعدتهم بقامتها التي تنقص عن المتر؟ هذه الأسئلة بكلّ بساطةٍ تُجيب عليها أدوات تعذيب الأبرياء في سجون نظام الأسد الإجرامية.
.
.