#########

الضحايا

لم تشفع لها سنواتها الخمسون.. أم أسامة حاولت إسعاف طفلها فصارت “إرهابية”


اعتبرها نظام الأسد منشقةً عنه كونها موظّفةً في قسم المتفجّرات بمركز البحوث العلمية بمدينة حمص وهي وظيفة مدنيّة لا عسكرية

09 / كانون الثاني / يناير / 2019


لم تشفع لها سنواتها الخمسون.. أم أسامة حاولت إسعاف طفلها فصارت “إرهابية”

 

*المصدر: زمان الوصل 

 

تروي هذه الأحداث السجينة السابقة عائدة الحاج يوسف، التي كانت مسجونة مع الفتاة صاحبة القصة. 
حجبت “زمان الوصل” الأسم الحقيقي لأم أسامة لضرورة أمنية.

 

 

التقيت مع السيدة أم أسامة في مطلع العام 2016 بعد رحلة طويلة من فرع الأمن العسكري في محافظة حماه إلى مخفر “كفرسوسة” بالعاصمة دمشق، ثمّ نُقلنا سويةً إلى جناح الإرهاب في سجن عدرا المركزي.

أم أسامة الخمسينية تنحدر من حي “الوعر” بمحافظة حمص، متزوجة، لديها ابنتان جامعيتان وطفل في المرحلة الابتدائية.

خلال أحداث الحرب في حي “الوعر” وتعرّضه للقصف بأسلحة ميليشيات الأسد، تمسّكت السيدة أم أسامة بمنزلها ومكان نشأتها ومحيط ذكرياتها برغم كُلّ ظروف الألم والمعاناة، رافضةً مغادرته بعكس الكثير من الموظفين في الدوائر الرسمية لنظام الأسد الذين غادروا خوفاً من الموت وحفاظاً على مصالحهم.

اشتدّت وتيرة المعارك بين مجموعات الجيش الحر وميليشيات الأسد، تكبدّت خلالها الأخيرة خسائر كبيرة نتيجة استخدام عناصر الجيش الحر للعبوات الناسفة في محيط الحي، أُصيب طفلها الوحيد بشظايا البراميل المتفجرة التي قصفها طيران الأسد الحربي، واضّطرت للخروج من الحي المحاصر لعلاجه، لكنّها وقعت فريسةً لعناصر حاجز ميليشيات الأسد الطائفية الذين أوقفوها بذريعة وجود اسمها في قوائم المطلوبين والملاحقين أمنيّاً، مُرغمةً تركت الطفل المصاب مع أختيه وتمّ اقتيادها إلى فرع الأمن العسكري في حمص، ومن ثمّ إلى الفرع الرباعي المعروف باسم “البالونة” لتقضي خمسة شهورٍ مُعتقلةً في زنزانةٍ انفرادية، وجّه الظُلّام إليها أقذر التهم، مارسوا بحقّها أقسى أشكال التعذيب، جلدوها، صعقوها بالكهرباء، ممنوعةً من الشمس والماء والطعام، هناك حتى الاستغفار يُعرّضك لأبشع إهانة.

اعتبرها نظام الأسد منشقةً عنه كونها موظّفةً في قسم المتفجّرات بمركز البحوث العلمية بمدينة حمص وهي وظيفة مدنيّة لا عسكرية.

من سوء حظي لم تكن أم أسامة سجينةً في ذات القسم الذي سجنوني فيه، كم التقيت بها في بوفيه وباحة وممرّات السجن وحدثتها وشكوت لها مُعاناتي وشوقي لأطفالي، لكنّها هي كانت تتكلم وتُخفي عينيها بغطاء رأسها، من قام بتعذيبها شُبانٌ لا يبلغون أعمار بنتيها، أحدهم انهال بالضرب على رأسها حتى خرجت الدماء من أذنيها، والآخر وضع كف يدها على “أسلاك المدفأة الكهربائية” مُتلذذاً برائحة شوائها، وآخر قلع لها ثلاثةً من أظافرها، وواحد منهم صبغ جسدها بالألوان بعد ضربها بكبلٍ كهربائي.

في كُلّ لقاءٍ أراها دامعةً متشوقةً لتعرف خبراً عن أبنائها وطفلها الذي تركته خلفها مُصاباً، فما عرفته عنهم ما زادها إلّا ألماً لأنّ عناصر الحاجز أعادوهم جميعاً إلى الحي المُحاصر بعد اعتقالها واقتيادها.

بعد عرضها على القضاء الخلّبي أوقفها القاضي بتهمة مُمارسة الإرهاب وتزويد الثوار بمخططات صنع المتفجرات.

زوجها الذي كان منذ بداية الحرب خارج المناطق المحاصرة وكّل لها مُحاميّاً طلب منهم ملايين الليرات فاستبعدوه، وبعد شهورٍ طلب القاضي خمسة ملايين ليرة لفتح قضيتها فقط لكنّهم لا يملكون هذا المبلغ، وبقيت مُتمسكةً بالأمل خصوصاً بعد سماعها أخباراً جيدةً عن أبنائها.

أم أسامة التي تقبع في سجنها حتّى اليوم لم تُشارك في أيّة أنشطة ضد نظام الأسد، لكنّها أيقنت أنّه (الأسد) موظف لتصفية العقول النيّرة منذ عهد والده حتى يومنا هذا.

 

المادة من المصدر ⇐ هنا