التقيت بالدكتور نيكولاوس فان دام في دمشق قبل الثورة بسنوات. لقد سحرني تماما بمعرفته العميقة وطبيعته المعتدلة. وفي وقت لاحق رأيته في اسطنبول في عام 2016، حين كان المبعوث الخاص إلى سوريا وقد غدا أكثر عمقا وإدراكا في مجال معرفته. لا يمكن أن يكون الكثير من الناس أكاديميين وناشطين في آن معا، لكن فان دام كذلك. ولأنه متقاعد الآن، فإن لديه المزيد من الوقت للتفكير في سوريا ولرؤية أين وكيف وقع الخطأ في الثورة السورية. كتابه الأخير تدمير وطن: الحرب الاهلية في سوريا التقرير الأكثر شمولية وموضوعية حول سوريا. وهو يشرح التاريخ الحديث لسوريا، ويفسّر خيبة أمل السوريين والعالم المتزايدة مع نظام الأسد، كما يفسّر فوضى الحرب الأهلية والكسور التي أدت إلى صعود وتوسع داعش. من خلال فحص متعمق لدور الولاءات الطائفية والإقليمية والقبلية في سوريا، يتتبع فان دام التطورات السياسية داخل نظام الأسد والنخبة العسكرية والمدنية من الربيع العربي حتى يومنا هذا.
05 / كانون أول / ديسمبر / 2018
*وائل السواح – مع العدالة
نيكولاوس فان دام * دبلوماسي وأكاديمي هولندي ومؤلف نص كلاسيكي حول السياسة السورية والطائفية: “الصراع على السلطة في سوريا، الطائفية والإقليمية والعشائرية في السياسة”. خلال الانتفاضة السورية، شغل فان دام منصب المبعوث الهولندي الخاص إلى سوريا، وكان يعمل انطلاقاً من اسطنبول، وكان على اتصال مكثف مع معظم أطراف المعارضة السورية المنخرطة في الثورة. ولعلّ كتابه الأخير ” تدمير وطن: الحرب الاهلية في سوريا” الذي صدر هذا العام يعكس تلك التجارب.
تحدّث السفير فان دام إلى مع العدالة Pro-justice بشأن القضايا المتعلقة بالحلّ السياسي والمساءلة ودور القوى الأجنبية في سوريا. وهو واحد من الأكاديميين الأوروبيين القلائل الذين يمكنهم القول بأنهم يمتلكون معرفة عميقة حول هذا الموضوع. بعد أن عمل فان دام سفيرا لهولندا في مصر وتركيا والعراق، كان لديه أيضا مهمة (في 2015-2016) كمبعوث خاص للمعارضة في سوريا. في تلك المهمة الأخيرة، راقب فان دام الوضع من قاعدته في تركيا المجاورة.
سألتُ فان دام إذا كانت الثورة السورية قد انتهت فعلا، وإذا كان النظام وحلفاؤه قد حققوا انتصارا نهائيا. قال فان دام إن الانتفاضة فشلت لأن جماعات المعارضة لم تتمكن من تحقيق هدفها المعلن في الفوز بالحرب وإسقاط النظام. وهو يقول إن النظام يبدو وكأنه في طريقه إلى نصر عسكري، لكن الفوز بالحرب العسكرية لا يعني بعد أن يكون هناك سلام في سوريا. فبدون “حل” مُرضٍ، قد يكون ثمّة في الأفق ثورة مستقبلية أخرى، سواء كانت ناجحة أم لا.”
وإذن، هل هناك أي أمل؟ من المتوقع أن يحافظ اللاجئون السوريون في الخارج على شعلة الثورة لأنهم يريدون التخلص من النظام، على الأقل بقدر ما كانوا يفعلون من قبل. ومع ذلك، فإن السفير فان دام لديه القليل من الأمل في أنه “في ظل الظروف الحالية يمكنهم تغيير الكثير في الوضع داخل سوريا نفسها”. وماذا عمّن يسمى “أصدقاء الشعب السوري”؟ قد يرغب بعضهم في استخدام تواجدهم العسكري كنوع من ورقة المساومة لاستخراج تنازلات سياسية من النظام، بهدف دعم جماعات المعارضة للحصول على أشياء من النظام لم يتمكنوا من تحقيقها بعد قرابة ثماني سنوات من الحرب. ومع ذلك، يشكّك فان دام فيما إذا كان هناك أي فرصة للنجاح في مثل هذا النهج، إلا، ربما، إذا كان المقصود من قوى أجنبية أن تخدم مصالحها الاستراتيجية الإقليمية. لكن هذا لن يكون ذا فائدة تذكر لجماعات المعارضة السورية الرئيسية.
التقيت بالدكتور نيكولاوس فان دام في دمشق قبل الثورة بسنوات. لقد سحرني تماما بمعرفته العميقة وطبيعته المعتدلة. وفي وقت لاحق رأيته في اسطنبول في عام 2016، حين كان المبعوث الخاص إلى سوريا وقد غدا أكثر عمقا وإدراكا في مجال معرفته. لا يمكن أن يكون الكثير من الناس أكاديميين وناشطين في آن معا، لكن فان دام كذلك. ولأنه متقاعد الآن، فإن لديه المزيد من الوقت للتفكير في سوريا ولرؤية أين وكيف وقع الخطأ في الثورة السورية. كتابه الأخير تدمير وطن: الحرب الاهلية في سوريا التقرير الأكثر شمولية وموضوعية حول سوريا. وهو يشرح التاريخ الحديث لسوريا، ويفسّر خيبة أمل السوريين والعالم المتزايدة مع نظام الأسد، كما يفسّر فوضى الحرب الأهلية والكسور التي أدت إلى صعود وتوسع داعش. من خلال فحص متعمق لدور الولاءات الطائفية والإقليمية والقبلية في سوريا، يتتبع فان دام التطورات السياسية داخل نظام الأسد والنخبة العسكرية والمدنية من الربيع العربي حتى يومنا هذا.
وبينما قد يكون ثمّة حل سياسي قيد التنفيذ، يعتقد معظم منظمات المجتمع المدني والجماعات الحقوقية أنه لا يمكن أن تكون هناك مصالحة دون مساءلة. سألت الدكتور فان دام إذا كان هناك أي أمل في أن تجد القوات الدولية طريقة في النهاية لإرسال الجناة الرئيسيين إلى المحكمة؟ أراد فان دام أولا أن يعرف بين من يجب أن تتم المصالحة. واعتبر أنه من المسلّم به أن المجتمع المدني والجماعات القانونية لن تقبل بالمصالحة مع قيادة النظام السوري ولا مع كل من تلوثت أيديهم بالدماء، وهناك عدّة آلاف من هؤلاء، حين تفكر في القوات المسلحة والميليشيات شبه النظامية وأجهزة الأمن، وهلم جرا. هل المصالحة تستهدف أولئك الذين أيدوا النظام (سواء أجبروا على ذلك أم لا)، لكنهم لم يلطخوا أيديهم بالدم؟ وبالمقابل، يجب على المرء أن يسأل نفسه عما إذا كان النظام مستعدًا للتصالح مع جماعات المعارضة أم لا.
وفيما يتعلق بالنظام، فإن المساءلة الحقيقية، في رأي فان دام، لا يمكن أن تتحقق إلا عندما يتم إسقاط النظام ويتم القبض على مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وسجنهم. وينطبق الشيء نفسه على من ارتكب جرائم حرب من المعارضين. في ظل الظروف الحالية، مع توجه النظام في اتجاه الانتصار العسكري، فإن فرص تحقيق العدالة والمساءلة ضئيلة للغاية. ويشك فان دام بقوة في وجود أي قوات دولية مستعدة للقبض على المتهمين بارتكاب جرائم حرب داخل سوريا، لأنه سيعني التدخل العسكري. في الماضي، كانت بلدان مثل الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى (وغيرها) قد قررت بالفعل عدم التدخل عسكريًا في سوريا ضد النظام، ولم يتغير أي شيء جوهريًا في هذا الصدد (مع بعض الاستثناءات). إن الإحجام عن القيام بذلك الآن، سيكون أكبر من الماضي. وستظل أوامر الاعتقال الدولية التي تصدر ضد أشخاص ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، رمزية إلى حد ما طالما لا توجد إمكانية للقبض عليهم.
إن الضغائن بين النظام والمعارضة هائلة لدرجة أنه لا توجد إمكانية للمصالحة، خاصة في ظل بقاء النظام الديكتاتوري الحالي. ومن يستطيع قيادة المصالحة؟ يسأل يقول فان دام: “لا يوجد نيلسون مانديلا في سوريا. وبعد كل هذا الموت والدمار، قد يستغرق الأمر أجيالا قبل أن تتمكن من الحديث عن أي نوع من التطبيع. كما يجب الأخذ بعين الاعتبار أن الأمر يحتاج إلى جانبين للتوفيق. انها ليست مجرد قضية من جانب واحد.”
وبعد ذلك يقول السفير فان دام إنه على الرغم من أن الفرضية المثالية هي أنه لا يمكن أن يكون هناك سلام حقيقي بدون عدالة كاملة ومساءلة، سيكون من الصعب جداً تطبيق ذلك. من ناحية أخرى، فإن جعل الجناة الرئيسيين لهذه الحرب، من أي جانب، عرضة للمساءلة، لن يؤدي في حد ذاته إلى سلام حقيقي ومصالحة حقيقية، فإن حجم الدماء المراقة أكبر بكثير من إمكانية تحقيق ذلك.
لكن عندما نتحدّث عن المساءلة فيما يتعلق بسوريا، فهو لا ينسى دور زعماء الدول الأجنبية الذين تورطوا أو انخرطوا في الحرب بالوكالة في سوريا، فهم، بعد كل شيء، يتقاسمون مسؤولية مشتركة ثقيلة بسبب دورهم في الحرب، وبالتالي مسؤولية ضحاياها العديدين واللاجئين والدمار الهائل. وهو ما يشير هذا إلى أفعالهم، أو عدم قيامهم بالفعل الكافي، كما يقول فان دام، وأيضا لخلقهم آمالا زائفة (خاصة بين المعارضة السورية) ، أو عدم قدرتهم على التوصل إلى تفاهم مشترك للمساعدة في إنهاء النزاع، من بين أشياء أخرى كثيرة.
قد يجادل القادة المعنيون بأنهم بذلوا قصارى جهدهم في المساعدة على حلّ النزاع في سوريا (سواء قاموا بذلك أو لم يفعلوا ذلك بشكل أساسي لأسباب استراتيجية)، وأيدوا مبدأ المساءلة، على الأقل حيث كان الجانب المقابل معنيًا. لكن فان دام يعتقد في النهاية أن النتائج التي يجب أن يتحملها القادة المعنيون لا علاقة لها بنواياهم المعلنة، سواء كانت جيدة أم خاطئة.
نتشاطر، السفير فان دام وأنا، وجهة نظر واحدة تجاه الديمقراطيات الغربية. كلانا يعتقد أنهم خدعوا المعارضة السورية بتقديم وعود أو اقتراحات لها، بما في ذلك التدخل العسكري، الذي لم يكن لديهم نية في تقديمه. ونحن ننتقد بشكل خاص الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما الذي أطلق شعار “الأسد يجب أن يذهب” ووضع “خطوط حمراء” انتهى بها المستبد السوري بالمرور مع الإفلات من العقاب.
سالت فان دام ما إذا كانت عسكرة الثورة واحدة من أكبر الأخطاء التي ارتكبتها المعارضة. يعتقد فان دام أن العسكرة أعطت النظام حجة إضافية لقمع الثورة. ومع ذلك، فإن عسكرة الثورة لم تكن فقط قرارًا مستقلًا تم اتخاذه بشكل منفصل من قبل مجموعات معارضة فردية مختلفة، بل كانت أيضًا نتيجة مباشرة للتدخل العسكري الأجنبي غير المباشر (أو المباشر)، الذي لم يكن منسقًا بشكل جيد. غير أن فان دام لا يرى أبداً رؤية من جانب واحد: فبدون السلاح، لم تكن مجموعات المعارضة ستحظى بفرصة كبيرة لتحقيقها. ربما كان من الممكن تحقيق شيء من خلال الحوار، ولذلك كان من الخطأ رفض الحوار وتقديم طلبات غير واقعية، برأي الدبلوماسي المخضرم.