يريد الأسديون أن يستمروا في مواقعهم، وهم مستعدون لفعل مزيد ثم مزيد من الإجراءات، وأن يبذلوا وأن يدفعوا، ولكن ليس من حسابهم، بل من حساب الحزب والدولة والمجتمع، إذ يدرك هؤلاء أن التغيير في طبيعة النظام ذاته وبنية سيطرته، حتى وإن كان طفيفاً، سيؤدي إلى سقوطه ومقتله!
19 / كانون الثاني / يناير / 2024
*مع العدالة: رأي- المصدر”تلفزيون سوريا”
*علي سفر
لا نأتي بتشبيه جديد حين نقول كغيرنا عن بشار الأسد في وضعه الحالي إنه بابلو إسكوبار، أي صانع ومهرب المخدرات الشهير، المقتول في العام 1993 بعد مطاردة طويلة.
حيث إن التشابه بين الشخصيتين، لا ينبع فقط من اعتمادهما على العنف أسلوباً لتحقيق المصالح، وعلى إغراق مجتمعات الخصوم بالكوكايين، وكذلك حبوب الكبتاغون، اللتين تتحولان سماً قاتلاً، بعد أن تدمنهما مراكز المتعة في العقول.
بل إنهما يتشابهان أيضاً في وضعية اللهاث من أجل الحصول على المكانة، والمقصود هنا ليس نيل الحظوة من التقدير في مجتمعيهما، فبشار لديه جحفل من المؤيدين الذين يعيشون في أنعام يغدقها عليهم، لكنه كشبيهه اللاتيني يدرك أن الوجاهة يجب أن تؤطر ببرواز أفضل، وذلك بأن يصبح عضواً في الهيئة الأعلى دائماً.
في سبيل الوصول إلى هذه المرتبة، كان على المجرم الكولومبي أن يخوض مفاوضات تساعده في تزويق هيئته، وشرعنة استمراره في الساحة، وتبييض أمواله، حتى وإن اضطر لدخول سجن مفصّل على مقاسه لفترة معينة، بالإضافة إلى تحوله نحو الأعمال القانونية.
عند هذه العتبة يمكن للمرء أن يتوقف عن المقاربة المعقودة بين الشخصيتين، والاكتفاء بقراءة ما يقوم به بشار الأسد من عمليات تجميل راهنة في نظامه نفسه، فالتغييرات التي يروج لها في إعلامه، وفي وسائل التواصل الاجتماعي التي يخاطب من خلالها مؤيديه، ويجري الحديث عن أنها “حركة تصحيحية” جديدة يقودها هو، ليست في الواقع سوى تغيير لأدوات تم استخدامها سابقاً، وصارت صدئة، يمكن استبدالها بأخرى.
كما أن رجال خدمة سياسة السلب والنهب، العاملين في منظومة العائلة الأسدية، ليسوا سوى أغراض يجب إتلافها بعد أن استنفدت. وبالتالي لا ضير من تغيير مدير أعمال تنفيذي مثل أبو علي خضر، وإحلال شخص جديد في مكانه. كما يمكن استبدال قاتل مأجور بآخر، وضابط شرطة مرتشي بزميل له، وقاض فاسد بآخر أشد فساداً، وصولاً إلى إمكانية تغيير توصيف وربما اسم الشركة التي تجري العمليات باسمها، وهذا ما أوحى به رأس النظام قبيل فترة، حين تحدث في اجتماع مركزية حزب البعث، عن التغييرات والانتخابات الحزبية. مروراً بمحاولات “إصلاح” المؤسسات الشعبية، وتحويل تبعيتها من الحزب إلى الحكومة، بعد تعقيم أنظمتها الداخلية من الملامح الإيديولوجية الفاقعة، من خلال إصدار مراسيم رئاسية يعيد فيها تشكيلها، الأمر الذي يعني تفخيخ المستقبل، فالبعث الذي سماه الوريث في الاجتماع بأنه حزب حاكم، وليس الحزب “القائد للدولة والمجتمع” يتخلى شكلياً عن أدواته، لكنه يبلي السوريين بها، فتصير مؤسسات حكومية تأخذ ميزانياتها من أموال الدولة، لكنها تنفذ أجندة تخدم حزباً محدداً.
يسأل أحد ما عمن أعطى بشار الأسد هذه الوصفة كي يحاول من خلالها النجاة! هل هم الروس أم الإيرانيون أم محمد بن زايد؟
لكن هذا السؤال يتجاهل في أصله ديناميات النظام ذاته، خاصة وأنه تحول مع مرور الوقت، ولاسيما خلال سنوات الثورة، إلى منظمة إجرامية عملاقة، تمتلك عقلاً يطور من قدراته، ويحاول إعادة إنتاج سيطرته، وقد يضطر إلى خوض مفاوضات ومماطلات مع الجهات التي يمكن لها أن تقرر مصيره، فيقدم تنازلاً هنا، ويذبح أضحية هناك، ويؤجل إعدام سجين، ويفرج عن آخر.. إلخ، وحين يأتي استحقاق الجلوس على الطاولة، يقول المفاوض الناطق باسمه إنه قد بذل كثيرا من أجل أن يصلح من ملامح وجهه، في سبيل أن ينسى الآخرون شخصيته السابقة!
يريد الأسديون أن يستمروا في مواقعهم، وهم مستعدون لفعل مزيد ثم مزيد من الإجراءات، وأن يبذلوا وأن يدفعوا، ولكن ليس من حسابهم، بل من حساب الحزب والدولة والمجتمع، إذ يدرك هؤلاء أن التغيير في طبيعة النظام ذاته وبنية سيطرته، حتى وإن كان طفيفاً، سيؤدي إلى سقوطه ومقتله!
لهذا يمكن البحث عن أساليب جديدة تمكنهم من الاستمرار، حتى تتغير الظروف المحيطة، والعودة في النهاية إلى نقطة الصفر، أي تأبيد حكم العائلة.
هنا تصبح العودة إلى قصة إسكوبار واجبة، حيث إن كل ما فعله لم يمس طبيعة منظمته الإجرامية، وفي الوقت الذي كان يدعي فيه أمام الحكومة أنه يمتثل للقانون ولاتفاقية تسليم المجرمين أنفسهم، كان يدير من سجنه عمليات القتل وتجارة الممنوعات، وحين تفاقمت الضغوطات حوله، قرر اختطاف البلد كله، حيث أفلت عصاباته ضد الشعب، قتلاً واختطافاً وتدميراً، مطبقاً الشعار الأسدي ذاته: إما أنا أو تُحرق البلد!
لكن الجزء المفقود من سياق المقارنة، يتعلق بالنهاية، فكما دخل زعيم (كارتل ميديلين) مرحلة مطاردته من قبل فرق الموت، التي قررت تنظيف كولومبيا، من أجل مصالحها الخاصة، سيأتي وقت تشهد فيه سوريا أحداثاً مشابهة، تنتهي حكماً بعاجل يقول: إلقاء القبض على بشار الأسد رئيس كارتل البعث! وربما نرى صورة جثته مع تعديل بسيط على كلمات الخبر.