#########

العدالة والمساءلة

سوف يندم العالم على إعادة “الأسد” إلى الحظيرة الدولية


بعد عقد من الحرب وتورط العديد من الجهات الأجنبية في البلاد، أجبر الانتصار الإقليمي النسبي للأسد - بفضل حلفائه الروس والإيرانيين إلى حد كبير بالطبع - جيرانه على قبوله مرة أخرى في الحظيرة.

22 / تشرين أول / أكتوبر / 2021


سوف يندم العالم على إعادة “الأسد” إلى الحظيرة الدولية

*مع العدالة: ترجمات | أحمد بغدادي

المصدر: Middle East Monitor

عندما تحدث العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مع الطاغية بشار الأسد عبر الهاتف في وقت سابق من هذا الشهر، شكل ذلك سابقة أذابت عقد من الجليد بين الاثنين. قبل أسبوع من ذلك، أعادت عمان فتح معبرها الحدودي الرئيسي بالكامل مع دمشق، والتقى رئيسا المخابرات في كلا البلدين واتفقا على التعاون.

كان ذلك تناقضاً صارخاً مع موقف “الملك” عبد الله الأولي في عام 2011، عندما أدان حملة نظام الأسد الوحشية على المتظاهرين السلميين في بداية الثورة السورية، مما جعل الأردن أول دولة إقليمية تقطع العلاقات مع سوريا وتدعم المعارضة.

الأردن ليس البلد الوحيد الذي اتخذ موقفاً داعماً تجاه الأسد. قبل أسبوعين، التقى وزير الخارجية المصري أيضاً بنظيره السوري وتعهد بالمساعدة في إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية واستعادة مكانتها في العالم العربي. كل هذا، بالطبع، جاء بعد عمليات التطبيع التي بدأتها دول الخليج مثل الإمارات وعمان والمملكة العربية السعودية جزئياً.

إن موجة الجهود المبذولة لاستعادة وتطبيع العلاقات مع نظام الأسد أمر مفهوم من نواحٍ كثيرة. كما كان الحال مع انضمام الدول العربية إلى المجتمع الدولي في تطبيع العلاقات مع أمثال الاحتلال الصهيوني لفلسطين (إسرائيل)، فإن القيام بذلك مع الأسد هو مجرد امتداد لهذا الاعتراف بالواقع الجيوسياسي.



بعد عقد من الحرب وتورط العديد من الجهات الأجنبية في البلاد، أجبر الانتصار الإقليمي النسبي للأسد – بفضل حلفائه الروس والإيرانيين إلى حد كبير بالطبع – جيرانه على قبوله مرة أخرى في الحظيرة. سواء كان ذلك دليلاً على أن «القوة صحيحة» أو مجرد حقيقة أن النظام موجود للبقاء وقد يتعاملون معه أيضاً، فهو ليس مهماً: فهم يرون ببساطة أن التعامل مع الأسد هو الحل العملي الوحيد والأفضل.

بطبيعة الحال، لقد انقضى منذ فترة طويلة أفضل وقت لضمان انتقال السلطة في سوريا. وقد قدمت هذه الفرصة نفسها في السنوات الأولى من الثورة، عندما كانت المعارضة لا تزال موحدة إلى حد كبير وتتجمع بسرعة في معركتها ضد النظام. ولكن في ذلك الوقت، عندما كانت المعارضة تطلب الأسلحة والمساعدات العسكرية من الولايات المتحدة والدول الغربية، كان كل ما أعطيت له هو إمدادات من سلل الغذاء.


في الوضع الحالي والجهود المبذولة لاستعادة العلاقات الدبلوماسية، يتم إسقاط كل ما فعلته قوات نظام الأسد العسكرية ونسيانه. ويشمل ذلك جرائم الحرب التي لا حصر لها والتي لا توصف، واختفاء وتعذيب عشرات الآلاف حتى الموت، وإسقاط البراميل المتفجرة على المناطق المدنية وسكانها، والهجمات بالأسلحة الكيميائية بحق المدنيين والمعارضة على حد سواء، ونظام السجون الواسع “المخيف” للنظام الذي لا يزال قائماً حتى الآن.

لكن ما لا تدركه الحكومات في المنطقة هو أنها أكثر عرضة لجرائم نظام الأسد المجرم من حتى أعدائه. وفي حين أن الأسد يوفر قدراً من الاستقرار والأمن، وإن كان بطريقة تصف أي شكل من أشكال المعارضة بأنه “إرهاب”، إلا أن ذلك ليس سوى استقرار قصير الأمد.


مواد شبيهة: بشار الأسد يعود إلى الساحة العالمية في هزيمة للولايات المتحدة والانتصار لأعدائها


أولاً، هناك عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي الواضح والناجم عن انتهاكات حقوق الإنسان غير المقيدة، حيث إن الاستياء المكبوت بين السكان لديه طريقة للظهور من جديد في السنوات اللاحقة، إذا ترك دون حل. وقد شهدنا هذه الحقيقة مع الثورة السورية نفسها، التي بنيت على عقود من القمع والمجازر مثل تلك التي وقعت في حماة في عام 1982.

وإلى جانب ذلك، هناك أيضاً العقبة الرئيسية لتجارة المخدرات التي ظهرت من سوريا على مدار الصراع. كان إنتاج وتهريب المخدرات مثل الكابتاغون والحشيش – وخاصة الأول – صار كابوساً لضباط الجمارك والحدود في جميع أنحاء المنطقة، حيث ضبطت الدول المجاورة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والأردن، العديد من شحنات المخدرات، فضلاً عن دول بعيدة مثل ليبيا واليونان.

كان لعمليات تهريب المخدرات تلك مصدرها في سوريا، وليس تحت ميليشيات مثل “داعش”، كما اعتقد الكثيرون في البداية، ولكن في ظل نظام الأسد وكمية هائلة من مواقع التصنيع التي يديرها في جميع أنحاء أراضيه. إذا سمحت دول المنطقة وخارجها لنظام الأسد بالسيطرة دون عوائق، فإنها سوف تجعل نفسها عرضة لتجارة المخدرات العابرة للحدود الوطنية المتزايدة باستمرار القادمة من “دولة المخدرات” على أعتابها.


الأسد وتجارة المخدرات “الكابتاغون” ــ  تجارة الحبوب المخدرة والحشيش في سورية؛ نظام الأسد أكبر مُصنّع ومصدّر للممنوعات” الصورة: رصيف 22.

كانت إحدى الظواهر المفاجئة والمدهشة طوال عملية التطبيع هي صمت الولايات المتحدة! في ظل إدارة ترامب السابقة، وعلى الرغم من كل أخطائها العديدة، كان هناك جهد نشط للسيطرة على نظام الأسد وحلفائه. فعندما كشف ترامب أنه يفكر في اغتيال الأسد، وقام بنفيذ عقوبات كبرى فرضها قانون قيصر على نظام الأسد ومن يتعامل معه تجارياً، نرى أن لتلك الإدارة سياسة مميزة تجاه سوريا وقوة وراء تصريحاتها.

ومع ذلك، في ظل الإدارة الحالية للرئيس جو بايدن، لا توجد أهداف مميزة في سوريا، وسياسة واشنطن غير واضحة بشكل ملحوظ. وبصرف النظر عن التأكيدات بأن الولايات المتحدة لا تخطط لاستعادة العلاقات مع الأسد وحثها شركاءها الإقليميين على وقف جهود التطبيع، لم يتم اتخاذ أي خطوات جادة بعد.


قصف الطيران المروحي التابع لنظام الأسد بالبراميل المتفجرة مناطق فى مدينة داريا بغوطة دمشق الغربية. | أرشيف.

حتى عقوبات قيصر – تلك التدابير القاسية التي نفذت في 2019 ضد حكومة نظام الأسد وأي أفراد أو شركات أو دول تعاملت معها – يبدو أنها قد تم نسيانها. ووفقاً لهذا القانون التاريخي، كان ينبغي أن تستهدف العقوبات العديد من الكيانات التي تتعامل مع الأسد حتى الآن.

 

العقوبات الدولية على نظام الأسد، ماذا حققت؟

هناك حالات تمنح فيها استثناءات بشكل مفهوم، مثل تأكيد الولايات المتحدة للبنان أنه يمكنه الاستيراد من سوريا وتصديرها إليها خلال الأزمة الاقتصادية المستمرة في بيروت ونقص السلع الأساسية، بما في ذلك الوقود. بيد أن دولاً أخرى في المنطقة ليست في مثل هذه الضائقة اليائسة.

 

يظهر تلاشي عقوبات قيصر حلفاء الولايات المتحدة وخصومها في المنطقة – وبالتأكيد في جميع أنحاء العالم – أنها قد لا تفرض ما تحكمه. ولكن للإنصاف، عزا الكثيرون هذا الافتقار إلى سياسة واضحة تجاه سوريا نحو المخاوف الصحية لبايدن نفسه، والتي غذت أيضاً نظريات مفادها أنه ليس حقاً على رأس الحكومة الأمريكية وأنه لا يشغل حتى المكتب البيضاوي للبيت الأبيض.

 

كما أن الكارثة برمتها تثبت للدول في نهاية المطاف أن العقوبات يمكن تجاوزها والتغلب عليها، وخاصة مع الحلفاء الجيوسياسيين المناسبين، وتجارة المخدرات المزدهرة، وشبكة دولية من رجال الأعمال والشركات الوهمية.

يجب أن تعرف دول المنطقة وخارجها التي تعتزم تطبيع العلاقات مع الأسد أن مثل هذا النظام لا يفضي إلى الاستقرار والازدهار على المدى الطويل. التطبيع سيعود ليطاردهم.