بسبب ارتفاع أسعار التهريب، يقوم المهربون بتجهيز رحل رخيصة لأصحاب القدرة المادية البسيطة، وتتراوح بين 200 إلى 500 دولار، لكنها خطرة وغير آمنة، ويتم من خلالها دخول طرق وعرة ومرتفعات ووديان، وفي النهاية يكون الأشخاص إما عرضة للقتل، أو الاعتقال والإعادة إلى الأراضي السورية
28 / كانون أول / ديسمبر / 2018
*لارا موسى – مع العدالة
الاتجار بالأشخاص يعد جريمة خطيرة، وانتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، فهو يمس الآلاف من الرجال، والنساء، والأطفال، ممن يقعون فريسة في أيدي المتاجرين، سواءً في بلدانهم أو خارجها، فلا يوجد بلد في العالم إلا وعانى من ظاهرة الإتجار بالبشر، سواء كان ذلك البلد هو المنشأ أو نقطة العبور أو المقصد للضحايا.
في كان الأول/ديسمبر من عام 2000، جرى التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية في مدينة بالميرو/ إيطاليا، وتعرّف المادة 3، الفقرة (أ) من بروتوكول الاتفاقية، الاتجار بالأشخاص بأشكاله المختلفة، والتي من ضمنها تجنيد الأشخاص، نقلهم، تحويلهم، إيواءهم بدافع الاستغلال، أو حجزهم للأشخاص عن طريق التهديد، استخدام القوة، أو أي من أشكال القسر أو الاختطاف والاحتيال أو الخداع والابتزاز، أو إساءة استخدام السلطة أو استغلال مواقف الضعف.
فمع إغلاق الدولة التركية لحدودها في وجه السوريين، ومنع دخولهم إليها، يعبر عشرات السوريين يومياً من خلال طرق التهريب، وتتم أغلب هذه العمليات بتسهيلات تقوم بها كل من هيئة تحرير الشام “هتش”، وحركة أحرار الشام.
طرق التهريب إلى تركيا:
يتم تهريب المدنيين إلى تركيا بطريقتين، طريقة برية، تسيطر عليها “حركة أحرار الشام”، وطريقة نهرية تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام”، ففي البرية يقفز الأشخاص عبر الجدار الفاصل، أو يقوم المهرب بفتح فتحة صغيرة من الجدار، لدخول الأشخاص بعيداً عن أعين “الجندرما التركية”، حيث يتم نقل المسافرين إلى نقطة في الجدار الفاصل، ومن ثم يتسلقونه بواسطة سلالم، حيث يبلغ ارتفاع الجدار حوالي الثلاثة أمتار، فيدخلوا بعدها الأراضي التركية، ليستلمهم في الطرف الثاني من الجدار مهرب آخر، عادة يكون تركي الجنسية، ويقوم بنقلهم إلى منطقة الريحانية التركية؛ و أما الطريق الثاني النهري، فهو طريق “نهر العاصي”، وغالباً ما تتم عملية التهريب ليلاً أو في أيام الضباب .
يتم نقل المسافرين على شكل مجموعات تتراوح بين 15 إلى 20 شخصاً، في قوارب يدوية، وهي عبارة عن غالونات متصلة ببعضها بواسطة حبال، وكل غالون يستطيع أن يتسع ل 2 أو 3 أشخاص، ويجرها شخص إلى الطرف الآخر من النهر بحوالي 20 م، وغالباً ما تفشل عمليات التهريب ويبقى المهربون يعيدون الكرة حتى تتم العملية.
معاملات العبور:
تقوم الفصائل المسيطرة على طرق التهريب، بإصدار إذن يسمح بموجبه للشخص بالدخول إلى الأراضي التركية، وبعلم عناصر من قوات “الجندرما التركية”، وتكلفته بين 2500 $ إلى 4000$ للشخص الواحد.
تتعامل “هتش” مع عمليات التهريب كمصدر دخل ذاتي، فتقوم بتنظيم العمليات من خلال عدة إجراءات تفرضها على المهربين، والعابرين إلى الحدود التركية، فجميع المهربين يعملون بإذن من الهيئة، والمرأة المسافرة تقوم بشراء وصل (إيصال محرم) من قبل النقطة الأمنية للهيئة، بعد أن تملأ استمارة تتضمن كافة المعلومات الشخصية وأسباب السفر. أما عن الرجال فيدفعون أيضاً مبلغ 50 دولار، ويسمى (إيصال راكب) إضافة إلى تسجيل أسماء الأشخاص كاملة، قبل قطع وصل التهريب فيتم جمع الهويات الشخصية للركاب، والتفتيش عليهم أمنياً لدى الهيئة، وعمل نسختين واحدة لها وأخرى للمهرب، للعبور من حواجزها باتجاه نقاط التهريب، ويدفع عليها المهرب أيضاً مبلغ 10 آلاف ليرة، و عند العودة يتوجب عليه التوجه إلى البوابة، لاستلام المسافرين، وقطع إيصال تخريج من مكتب هيئة تحرير الشام في حال كان المسافرون قد خرجوا عبر “نهر العاصي”، أو مكتب أحرار الشام، أو كانوا قد خرجوا عبر الجدار الفاصل. ويبلغ سعر إيصال التخريج 1000 ليرة سورية، في حين تبقى 50 دولاراً لدى المكتب إذا ما سوف تكرر المحاولة، ويمكن استرجاعها في حال أراد المسافر تغيير المهرب، أو إلغاء فكرة السفر”.
رحل رخيصة للموت:
بسبب ارتفاع أسعار التهريب، يقوم المهربون بتجهيز رحل رخيصة لأصحاب القدرة المادية البسيطة، وتتراوح بين 200 إلى 500 دولار، لكنها خطرة وغير آمنة، ويتم من خلالها دخول طرق وعرة ومرتفعات ووديان، وفي النهاية يكون الأشخاص إما عرضة للقتل، أو الاعتقال والإعادة إلى الأراضي السورية.
ووثقت الكثير من حالات الموت لضحايا عمليات التهريب، وأكثر تلك الحالات انتشاراً كانت بقتل الضحايا عبر استهدافهم برصاص القوات التركية الحدودية أثناء عبورهم الحدود السورية / التركية.
التهريب تجارة مربحة:
كشف تقرير نشرته إحدى الصحف التركية، تفاصيل عن مافيات تهريب البشر في تركيا، مشيرة الى أن تلك العصابات جنت مليارات الدولارات منذ العام 2015، موضحا أنها تمكنت من تهريب أكثر من مليون شخص “10%” منهم عراقيون، وبحسب موقع “أحوال” التركي، إن هذا العام شهد زيادة في عدد حالات عبور الحدود بصورة غير شرعية، مقارنة مع عام 2017؛ حيث سُجّلت 45 ألفاً و737 حالة في أول 11 شهراً من العام، مقارنة مع 35 ألفاً و52 شخصاً في عام 2017 بأكمله، وفقاً لمنظمة الهجرة الدولية. في حين ما زالت تركيا مساراً طبيعياً للدخول إلى اليونان وأوروبا بحكم الموقع الجغرافي، حيث شهدت تجارة التهريب رواجاً خلال الأشهر الماضية، والتي ترافقت مع عمليات التهجير، في كل من الغوطة الشرقية، والجنوب السوري، حيث قررت الكثير من العائلات عدم البقاء في الشمال السوري، ودخول الأراضي التركية لبدء حياتهم من جديد أو اعتبار الأخيرة محطة عبور باتجاه الدول الأوروبية.
الحدود التركية بين الترهيب والترغيب:
ساهمت تركيا بشكل كبير في عمليات الاتجار بالبشر، خاصة بعد أن فرضت الكثير من الشروط على السوريين الراغبين في الاقامة فيها، غير مكترثة بما يعانيه من في الداخل السوري من تبعات الحرب، حيث تمكنت القوات التركية (الجندرما) خلال فترة وجيزة من السيطرة على الحدود، بشكل شبه كامل، وسدّ غالبية الثغور التي كانت في السابق مخصصة للتهريب، بعد أن قامت بحملة غير مسبوقة قادتها قوات مسلحة حكومية مشتركة بحق المهربين في ولاية “هاتاي” التركية، وخاصة المدن الحدودية الواقعة بريف مدينة أنطاكيا، مما علّا سقف المخاطر على حياة كل من رغب بعبور الحدود، بطريقة غير شرعية.
مئة وخمسة أشخاص، هو العدد التقريبي للمهربين السوريين فقط الذين تم اعتقالهم من قبل قوات مشتركة بين الجيش التركي وجهاز الاستخبارات، إذ تحدثت صحف ومواقع تركية، من بينها موقع “هاتاي برس” المعني بشؤون الولاية، عن حملة أمنية قادها ضباط تم إرسالهم من أنقرة وإسطنبول، حيث ذكر الموقع حينها أنه تم اعتقال نحو 300 شخص من بينهم 105 أشخاص سوريين خلال حملة أمنية على الحدود السورية، في مناطق حجي باشا، ومنطقة ألتينوز، وكان من بينهم 13 شخصاً يعملون على تهريب البشر من سوريا إلى تركيا.
عانى الشعب السوري، وما زال يعاني من تبعيات الحرب، وسيطرة السلاح على كل منطقة من بلاده، ولعب إغلاق الحدود في وجهه من كل حدب وصوب دوراً كبيراً في تحول البلاد إلى سجن كبير، محفوف بالمخاطر والتحديات، التي توجه بشكل مباشر إلى العائلات السورية، وأطفالها.
كل ذلك أودى بالكثير من السوريين إلى اللجوء لطرق غير شرعية، أملاً منهم في حياة أفضل ومستقبل خال من الحروب، والنزاعات، ما أدى إلى تكاليف باهظة على الكثير منهم، وصلت أحياناً للموت، فأمست عمليات قتل السوريين على الحدود من قبل قناصة “الجندرما” التركية أمراً شبه اعتيادي، بالإضافة إلى الانتهاكات التي يقوم بها المهربون المحميون من قبل الفصائل الإسلامية بحق المدنيين الذين يبحثون عن النجاة، ليخرجوا من موتٍ إلى موت، أو مجهول آخر لا يعرفون متى ينتهي، كما حال هذه الحرب التي أتت على شكل الحياة في سورية.
المزيد للكاتبة :