أقيمت نقاط وحواجز للتفتيش في جميع أنحاء البلاد، يتم عبرها اعتقال أي شخص يعود أصله من مدينة ثارت ضد النظام، أو ممن يقودون سيارات تتجه نحو دمشق في أيام المظاهرات والاحتجاجات الشعبية بدون أية تهم
18 / أيار / مايو / 2019
*مع العدالة
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز _ The New York Times” الأمس لقاءً مع الكاتبة الصحفية “آن برنارد- Anne Barnard” المديرة السابقة لمكتب الصحيفة في بيروت، حول تحقيقها المعنون بــ” كيف سحق الأسد المعارضة داخل سجون التعذيب السرية في سورية“، الذي نشرته منذ أيام في “النيويورك تايمز” وكشف جانباً هاماً من الانتهاكات الفظيعة التي قام بها النظام السوري داخل السجون والأفرع الأمنية التابعة له بحق المدنيين المعارضين، وغيرهم من الذين اعتقلوا بذرائع شتى يسوغها النظام لقمع الثورة الشعبية التي قامت ضده في عام 2011.
حيث تذكر الصحيفة أن العدد الدقيق للسوريين الذين مروا بنظام الاعتقالات التعسفية والسجن غير معروف، وبحسب جماعات حقوق الإنسان تقدر الأعداد بمئات الألوف إلى مليون شخص.
وعن الكاتبة الصحفية “بارنارد” تقول نيورك تايمز: لقد عادت في الصيف الماضي إلى الولايات المتحدة بعد أن قضت 11 عاماً في الشرق الأوسط؛ وخلال جلسة ” اسألني أي شيء” أجابت على أسئلة حول التحقيق الأخير الذي نشرته.
وتضيف، أن أحد المتابعين سأل عن كيفية تأثر حياة المواطن السوري اليومية بنظام “الأسد”، وتساءل عما إذا كان يشجع على الثورة.
فأجابته: من ناحية، قبل الانتفاضة، كان بإمكان السوريين الذين ظلوا صامتين وكانوا حريصين للغاية على عدم عبور الخطوط الحمراء السياسية، أن يتحاشوا هذا النظام ولا يقتربوا منه مطلقاً؛ لكن في ذلك الوقت لم يكن هنالك ما يضمن دخولك السجن أو اعتقالك للاستجواب بسبب تشابه أسماء أو تقرير كيدي من قبل أحد معارفك.
وتذكر الصحيفة أنه بعد انطلاق الحراك الشعبي، أصبح الاقتراب من النظام خطراً في حدّ ذاته، حتى لو لم تشارك في أي أنشطة سياسية. حيث أقيمت نقاط وحواجز للتفتيش في جميع أنحاء البلاد، يتم عبرها اعتقال أي شخص يعود أصله من مدينة ثارت ضد النظام، أو ممن يقودون سيارات تتجه نحو دمشق في أيام المظاهرات والاحتجاجات الشعبية بدون أية تهم.
وعن الصعوبات اليومية التي يواجهها السوريون والتهديد بالاعتقال، تضيف الصحيفة أنه يمكن لأي شخص له صلة بأجهزة الأمن، أن يطلب من المواطنين رشاوى مع التهديد الصريح بالاعتقال إن لم يدفعوا.
ولقد تفاقمت كل هذه المشاكل، بالطبع، مع الصراع الحالي. الملايين من الناس لديهم قريب تم اعتقاله؛ 127،000 شخص ما زالوا مفقودين لدى النظام ؛ ويعتقد أن مئات الآلاف قد مروا بالسجون منذ عام 2011.
وتشير الصحيفة إلى أجابة “بارنارد” حول تصورها إذا ما كانت أساليب التعذيب في سجون النظام تبرر الإطاحة به، الأمر الذي يخلق فراغاً في السلطة، قالت:
ليس من موقفي كمراسلة أن أقدم توصيات متعلقة بالسياسة، لكن يمكنني القول إن الولايات المتحدة فقدت مصداقيتها ومكانتها الأخلاقية في العراق، فضلاً عن الإرادة السياسية والدعم الشعبي للمشاركة في سورية بعمق.
وتكمل “بارنارد”، تكلم الرئيس باراك أوباما بصوت عال، ودعا إلى الإطاحة بـ”الأسد”، لكنه حمل عصا صغيرة. لقد تراجع عن تطبيق الخط الأحمر الذي وضعه. وكان دعم المعارضة”غير متكافئ” في البداية، ثم أيدت الاستخبارات دعم بعض الجماعات المعارضة، ولكن في النهاية لم يكن هدف أمريكا هو طرد “الأسد”، بل الضغط عليه للذهاب إلى طاولة المفاوضات. حتى هذا الجهد اتخذ لاحقاً مقعداً خلفياً لحملة مناهضة لداعش.
وتتابع، لكن القضية الأوسع هي كيف تنظر الولايات المتحدة إلى المنطقة. إنه ليس خياراً ثنائياً بين الحكام الاستبداديين الذين يضطهدون شعوبهم – أولئك الذين تدعمهم الولايات المتحدة بنشاط، كما هو الحال في المملكة العربية السعودية، أو تلك التي تعارضها ولكنها تتسامح في نهاية المطاف، كما في سورية – حيث تسقطهم بتدخلات ضخمة تخلق فراغات في السلطة. أعتقد أن معظم الناس في المنطقة يريدون مزيداً من الدعم للمواطنين الذين يسعون لبناء مجتمع مدني ذي معنى وأقل دعماً للحكومات التي تقمعهم.
وتذكر الصحيفة أن أحد المتابعين سأل الكاتبة “بارنارد” عن تاريخ سجون التعذيب في الشرق الأوسط.
فأجابت: لسوء الحظ، تم استخدام التعذيب والسجن السياسي كثيراً عبر التاريخ، سواء كنا نتحدث عن محاكم التفتيش الإسبانية أو معسكرات “الستالينية”. ومن العهد العثماني وحتى الاستعمار الغربي إلى الاضطرابات في القرن العشرين، كانت هذه الانتهاكات سائدة في العديد من دول الشرق الأوسط أيضاً.
لكن حتى في غضون قرن من الزمان يملؤه الاستبداد في المنطقة، يبرز النظام السوري الحالي. ولقد كان نظام السجون في سورية والرقابة المشددة على المعارضة من بين أقسى النظم في المنطقة قبل فترة طويلة من الانتفاضة في عام 2011. بعد الانتفاضة، تم توسيع النظام بشكل كبير ولعب دوراً محورياً في سحق الجانب المدني من الثورة.
وتساءل آخر عن كيفية مساهمة تحقيق “بارنارد” حول التعذيب والقتل في السجون السورية بأي شيء جديد في الفهم العالمي للبلدان الإسلامية التي تحكمها الشريعة الإسلامية.
فأجابته: هذا لا يتعلق بالشريعة الإسلامية؛ سورية رسمياً دولة علمانية. كما أن الأمر ليس مرتبطاً بالديكتاتوريات العربية. إن القصة في سورية ذات صلة، حيث إن الحكومة السورية قد استخدمت هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في هذه اللحظة الزمنية لإخماد حركة من أجل الإصلاح والديمقراطية، وأظهرت لزعماء آخرين حول العالم، عربياً أم لا، أن هذه الأساليب يمكن استخدامها مع الإفلات من العقاب.
وأشارت الصحيفة إلى محاولات روسيا في سعيها لإقناع الغرب بتطبيع العلاقات مع دمشق، كما تفعل بعض الدول العربية وغيرها، إضافة إلى خطة تمويل إعادة الإعمار بمليارات الدولارات حتى من دون إصلاحات، بحجة أن هذا سيقنع خمسة ملايين لاجئ بالعودة إلى ديارهم – لكن الكثير منهم يخشون التعرض للاعتقال والاختفاء في نظام السجون هذا.
وتختم ” بارنارد”: لقد قضى فريق زملائي – “هويدا سعد وبن هوبارد” وغيرهم – سنوات في العمل على الاتصال بالأشخاص، بمن فيهم المقاتلون، من جميع جوانب هذا النزاع وغيره من النزاعات حتى نتمكن من رسم أفضل الصور الممكنة لآرائهم ودوافعهم وأنشطتهم .
Eng