#########

أبحاث

“الاختفاء القسري” في سوريا سلاح آخر للنظام !


يعتبر النظام أن حالات الإخفاء القسري الضالع بها هي إحدى الأسلحة الفعالة ضد الشعب السوري، وتتماشى مع سياسة بث الرعب التي انتهجها منذ عقود للتضييق على السوريين ودعم سياسة تمجيد الحاكم الواحد.

31 / تشرين أول / أكتوبر / 2018


“الاختفاء القسري” في سوريا سلاح آخر للنظام !

 

 

الاختفاء القسري، السلاح المجدي باعتقاد نظام الأسد فهو استعان به لطمس الأدلة التي تثبت ارتكابه جرائم ضد الإنسانية بحق المدنيين، لكن لم يضع بالحسبان أن عشرات آلاف الوثائق ستصل للمنظمات الحقوقية وتكون في المستقبل القريب أداة ادعاء ذات حجة قوية على رموز النظام في المحاكم الدولية وهذا ما تسعى إليه المنظمات.

 

*فراس العلي ــ مع العدالة 

 

مصير مجهول، أحياناً يأتي الخبر بأنه قضى إثر التعذيب وأحياناً أخرى تكتشف عائلته أنه على قيد الحياة بناء على كلام عنصر كان قد رآه بالصدفة بأحد الفروع الأمنية، مسلسل رعب من دون خاتمة، أجواء متوترة مع كل شخص يأتيهم بخبر جديد عن ابنهم المفقود، مرة يظنون أنه في سجن صيدنايا ومرة أخرى يحسبونه في الفرع 215، هكذا تجابه عائلة سورية معاناة فقدان ابنهم إثر اعتقاله عام 2012.

 

ليست القصة المذكورة من النوادر، بل تعيشها ربما عائلات أكثر من 85 ألف مختفٍ قسرياً، بينما تتضمن تقارير حقوقية، إن 90% منهم اعتقلهم النظام وتم إخفاؤهم قسرياً بالتنسيق المركزي بين فروع الأمن، ولم يعرف مصيرهم فيما إذا كانوا على قيد الحياة، أم قضوا نحبهم داخل المعتقلات إثر التعذيب.

لم تتمكن الشبكات الحقوقية من توثيق السيرة الذاتية لجميع المعتقلين، كيف تم اعتقالهم وأين جرى ذلك، وبسبب ماذا، وما الذي تعرضوا له داخل المعتقلات وما مصيرهم؛ فهو عدد ضخم مقارنة بإمكانيات المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، لكنها تمكنت من الحصول على قوائم لعشرات آلاف الأسماء _ أي المنظمات _ عبر شهادات الأهالي والمعتقلين الخارجين من سجون النظام وطرق توثيقية أخرى.

 

في المقابل، تنفي سلطات النظام بشكل مستمر مسؤوليتها عن حالات الاختفاء القسري، رغم وجود الأدلة والبراهين التي تثبت ضلوع رموزها الأمنية في حوادث الإخفاء القسري، فيما تستمر جهود المنظمات الحقوقية لإدانة النظام بناء على ما جمعته من أدلة ضده.

 

المثير للقلق أيضاً، أن الإحصائيات التوثيقية لأعداد المختفين قسرياً، تذكر ضمن القوائم أن هناك آلاف السيدات والأطفال الذين غيبوا في سجون النظام ولا يعرف مصيرهم حتى اللحظة.

يعتبر النظام أن حالات الإخفاء القسري الضالع بها هي إحدى الأسلحة الفعالة ضد الشعب السوري، وتتماشى مع سياسة بث الرعب التي انتهجها منذ عقود للتضييق على السوريين ودعم سياسة تمجيد الحاكم الواحد.

 

سلاح فعّال!

جاء تعريف الاختفاء القسري على أنه إلقاء القبض على أشخاص أو احتجازهم أو اختطافهم من قبل دولة أو منظمة سياسية أو بإذن ودعم لهذا الفعل والسكوت عنه، أو الرفض بالإقرار بحرمان الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة زمنية طويلة.

واعتبر الاختفاء القسري للأشخاص إذا ارتكب بشكل واسع النطاق ضد أي مجموعة من السكان المدنيين، جريمة ضد الإنسانية، وفق ما تم إقراره بميثاق روما عام 2002.

ويعتمد رموز النظام على إخفاء المعتقلين وعدم إيراد أية معلومة عن معظمهم، كسلاح موجّه ضد ذويه ومصدر لجني الأموال، حيث أثبتت التقارير الحقوقية أن ضباط وعناصر لدى النظام استغلوا ملفات المختفين قسرياً لابتزاز المعارضة السورية، بل حتى ميليشيات أجنبية تساند النظام في سوريا ضالعة في هذه الجرائم مستغلة سلطتها المطلقة بسوريا.

 

 

ويضطر أهالي المعتقلين للسفر بين المحافظات السورية ولقاء عناصر وسماسرة من النظام يدّعون أن لديهم علاقات وطيدة مع عناصر المخابرات ويجبرون على دفع مبالغ مالية تفرض عليهم، كلّ ذلك مقابل الحصول على معلومة أحياناً وهي “أين تم نقل المعتقل مؤخراً وهل هو على قيد الحياة؟

ولعل عمليات الابتزاز التي يمارسها نظام الأسد عبر رموزه هي من أشد أنواع الانتهاكات النفسية على الأهالي، خاصة أن الكثير منهم تلقوا أخباراً غير دقيقة حول أبنائهم المعتقلين، وهناك مئات القصص الدالة على ذلك.

وازدادت حالات الإخفاء القسري للمدنيين في عام 2012 مسجلة رقماً قياسياً، حيث اعتقل النظام ما يزيد عن 25 ألف مواطن بالتزامن مع انتشار الاحتجاجات ضد النظام في أرجاء البلاد، الأمر الذي جعل النظام ينشر عناصر مخابراته في كل مكان، ويرصد نقاط المظاهرات ويعتقل عشرات الآلاف تحت إدارة ما كان يعرف بـ “خلية إدارة الأزمة” والتي شكلت برئاسة أبرز الشخصيات المخابراتية ذات النفوذ في سوريا.

 

توثيقات

تصدر المراكز الحقوقية بشكل دوري تقارير توثق فيها أعداد السوريين المختفين قسرياً لدى النظام، مؤكدة أن النسبة الأعظم من المختفين قسرياً هم مدنيون ليس لهم أي نشاط سياسي أو عسكري، لكن النظام يعتمد سياسة الإرهاب وإخضاع المجتمع بالكامل لو كانت التكلفة تدمير آلاف العائلات السورية.

وفي آخر تقرير نشرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان التي تعنى بتوثيق الانتهاكات بسوريا، أكدت فيه أن ما لا يقل عن 95000 مختفٍ قسرياً في سوريا منذ آذار 2011.

وجاء في تقريرها الذين عنونته بـ “نفق بلا نهاية” أن النظام مسؤول عن 81652 شخصاً لا يزالون قيد الاختفاء القسري بينهم 4837 سيدة و1546 طفلاً، وجاءت ريف دمشق في المرتبة الأولى من حيث عدد المختفين قسرياً فيها، بينما تلتها درعا ومن ثم حلب وبعدها دمشق وحمص ثم دير الزور وحماة وإدلب والرقة واللاذقية والحسكة وطرطوس والسويداء والقنيطرة بالترتيب.

 

وحسب المخططات البيانية التي أوضحت أعداد المختفين قسرياً، فإن قرابة ثلث حالات الاختفاء القسري حصلت بين عامي 2012 و2013، ومع تحرير عدة مناطق سورية وانتشار المعارك بين المعارضة والنظام على أكثر من جبهة، بدأت تقل نسبة زيادة عدد المختفين قسرياً لدى النظام عن الأعوام السابقة.

لكن عادت نسبة المختفين قسرياً للزيادة مرة أخرى عام 2017 بالتزامن مع حملات تهجير النظام وروسيا الأهالي من عدة مدن وبلدات، مثل ما جرى في حلب وريف حمص وريف دمشق ومدن أخرى.

وتستمر الهيئات الحقوقية بمطالبة مجلس الأمن الدولي بعقد جلسات طارئة تتناول مصير أكثر من 95 ألف شخص مختفٍ قسرياً، وإيجاد طرق لمنع النظام من التلاعب بالأحياء والأموات عبر تزوير سجلات النفوس واعتماد الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة القاضية بحماية المعتقلين من الموت داخل مراكز الاحتجاز.

 

مواقف وبيانات

لم تأخذ قضية المختفين قسرياً حيزاً كبيراً من الاهتمام الدولي بقدر ضخامة المأساة التي تلاحق المختفين قسرياً وعائلاتهم، بينما سلطت الضوء بعض من المنظمات الحقوقية مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ومنظمات أخرى.

واقتصرت نشاطات المنظمات على عمليات التوثيق ومتابعة تطورات ملف المختفين قسرياً في المحافل الدولية التي عقدت بشأن مناقشة ملف المعتقلين في سوريا.

وكانت منظمة العفو الدولية قد أطلقت حملة، آب/ أغسطس الفائت، تحت اسم “تحرك” من أجل الكشف عن مصير المعتقلين والمختفين قسرياً في سوريا، داعية روسيا والدول الفاعلة للضغط على نظام الأسد من أجل الكشف عن أسماء ومكان ومصير المعتقلين.

وأدانت المنظمة في حملتها النظام، حيث قالت إن معظم حالات الاختفاء القسري في سوريا قد حصلت على يد النظام، مؤكدة أن أكثر من 15 ألف شخص قتلوا بسبب التعذيب في سجون النظام.

 

 

في المقابل، كانت منظمة هيومن رايتس ووتش، قد طالبت الدول الراعية للمفاوضات حول سوريا أن يضمنوا مناقشة الاختفاء القسري وتأسيس هيئة مستقلة قوية الصلاحيات بشأن ملف المختفين قسرياً أثناء البحث في أية عملية انتقالية في سوريا.

وفي عام 2011 شكلت الأمم المتحدة لجنة تحقيق دولية أخذت على عاتقها التحقيق في جميع الانتهاكات الحاصلة بسوريا، وقدمت هذه اللجنة عشرات التقارير التوثيقية لمجلس حقوق الإنسان اتهمت من خلالها الأسد وجهات أخرى بتنفيذ جرائم قتل جماعي واغتصاب وإخفاء قسري وتجنيد أطفال للقتال.

وكان رئيس اللجنة البرازيلي باولو بينيرو قد وعد بالكشف عن خمس قوائم تضم أسماء مرتكبي جرائم حرب في سوريا ومسؤولين عن انتهاكات واسعة، لكن لم يحصل ذلك، ورغم جمع هذه اللجنة الأدلة على ارتكاب انتهاكات إلا أنها بقيت حبراً على ورق.

 

ورغم تحرك المنظمات الحقوقية في العديد من المناسبات الدولية لتقديم ما وثقته والمطالبة بتحويل هذه التوثيقات إلى محكمة جرائم الحرب الدولية لاهاي لكن دون جدوى، بينما الأمل لا يزال موجوداً لمحاسبة مرتكبي الجرائم في سوريا قياساً بمحاكمة رموز الإجرام المسؤولين عن مذبحة “سربرنيتسا”.

.

.

المزيد للكاتب:

“توثيق وفيات السوريين” المهمّة المستحيلة !