ردّ النظام على موقف المعتقلين، بحصار السجن وقطع الكهرباء والماء عنه، حيث كان عدد المعتقلين مع السجناء الجنائيين قرابة 1600 شخص منهم 840 معتقل رأي، وكان بين المعتقلين عشرات المرضى، المحتاجين للدواء اليومي، هذا غير وجود أطفال أصغرهم 14 عاماً، بتهم مختلفة من بينها (الإرهاب).
19 / تشرين أول / أكتوبر / 2018
الجزء الثالث : بين السياسة والحدث
*عمار حسين الحاج
في يوم الإثنين، من الشهر الخامس لعام 2016، كانت اتصالات رفيعة المستوى، بين روسيا وأمريكا، وبجهود فرنسية وسعودية، للحفاظ على هدنة الثماني وأربعين ساعة، المعلنة لوقف إطلاق النار في حلب، بين الروس ونظام الأسد من جهة، وبين فصائل المعارضة التي كانت تسيطر على المساحة الأكبر من المحافظة، وريفها، في محاولةٍ لشمول الهدنة العسكرية إن نجحت في حلب، على باقي مناطق الصراع الساخنة في سوريا، وخصيصاً بعد تحذير وزير الخارجية الأميركي جون كيري، في تصريحٍ له، وجهه بشكلٍ غير مباشرٍ لروسيا، بأنَّ الحرب في سوريا قد أصبحت خارج السيطرة .
في هذا الوقت بالذات، كانت الهتافات تعلو في سجن حماه المركزي، مُعلِنةً الاستعصاء المدني الكبير في السجن، وسيطرة المعتقلين على كامل بناء الزنازين، ولم يبقَ بيد إدارة السجن، غير بناء مكاتب الضُبّاط والإدارة، وجناح الاحترازي الملاصق للمكاتب، بعد تصعيدٍ غير مسبوق من قبل إدارة السجن، بمحاولة سحب خمسة معتقلين مطلوبين لمحكمة الميدان العسكرية بمذكرات إحضار، لتحويلهم إلى سجن صيدنايا لتنفيذ حكم الإعدام بحقهم .
نعمة الفساد
كان من نِعَمِ الفساد إن صحَّ التعبير، بناء على أحداث الاستعصاء، أن يتوفر داحل السجن أجهزة هواتف محمولة، وطبعاً الاحتفاظ واستخدام هذه الأجهزة ومعداتها يتم بشكل سري جداً، بسبب تعرض من يتم ضبط جهاز أو أي قطعة تخصه بحوزته، إلى العقوبة بالمنفردة لمدة تتراوح من أسبوع إلى عشرين يوماً، مع تحويله إلى فرع الأمن الجنائي، للتحقيق معه لمعرفة المصدر الذي حصل عليه، ومحاولة معرفة مّن هم المعتقلون الذين يملكون أجهزة محمول، وبعد ذلك، يتم تحرير ضبط بحقه مع تعرضه للتعذيب في الفرع ومن ثمَّ يتم تحويله للقضاء، ليتم رفع دعوى بحق المعتقل من قبل إدارة السجن، بتهمة مخالفة أوامر إدارية.
إن وجود هذه الأجهزة بسبب استشراء الفساد عند إدارة السجن وعناصر الشرطة، وهذا الفساد موجود في كل إدارات دولة الأسد، ومن ضمنها السجون، ولكن بما يخص الأجهزة الهاتفية، فالأمر نسبيّ، وفي سجن حماه كان موجوداً واستخدمه المعتقلون لصنع قناة تواصل من داخل السجن مع العالم الخارجي، وعلى كل الأصعدة، من الإعلام إلى السياسة، وكان لها الدور الهام في تدويل الاستعصاء، ونقل وتصدّر الاستعصاء الفضاء المعلوماتي العالمي خلال ساعات من بدئه .
أحداث الاستعصاء
مع بداية الاستعصاء المُعلَن عبر ارتفاع صوت الهتافات من داخل السجن، بعد رفض المعتقلين تسليم رفاق لهم سيتم تنفيذ حكم الإعدام بحقهم، وبعد التصعيد من إدارة السجن بالتهديد بدخول الجيش إلى السجن ليتعامل هو معهم بطريقته الإجرامية المعروفة، وبعد مفاوضاتٍ أولى غير مباشرة وسريعة، اجتمع المعتقلون اجتماعاً طارئاً، يستوضحون فيه الموقف، وخطورة الخطوة التي اتخذوها وتبعاتها غير المحسوبة نتائجها، وكان القرار العام من الجميع بالاستمرار حتى النهاية مهما كانت النتائج، ورفض أي محاكم، أو تسليم أي معتقل للمحكمة الميدانية؛ استمر هذا الاجتماع مدة ربع ساعة تقريباً، وفي هذا الوقت كانت السرية الأولى من عناصر حفظ النظام قد حاصرت السجن، مع عناصر الشرطة، وبدأت قنابل الغاز المسيلة للدموع تُقذف من على سطح السجن ومن الباحات الخارجية على نوافذ الزنزانات وعلى الممرات الرئيسة للأجنحة .
ردّ النظام على موقف المعتقلين، بحصار السجن وقطع الكهرباء والماء عنه، حيث كان عدد المعتقلين مع السجناء الجنائيين قرابة 1600 شخص منهم 840 معتقل رأي، وكان بين المعتقلين عشرات المرضى، المحتاجين للدواء اليومي، هذا غير وجود أطفال أصغرهم 14 عاماً، بتهم مختلفة من بينها (الإرهاب).
استمر النظام، على هذه الحال لعدة ساعات، لكنه لم يستطع ثني المعتقلين عن قرارهم، وبالعكس، زادت الحمية، وتم إغلاق كل الأبواب الموجودة في البناء، والتي تؤدي إلى مكاتب الضباط، وإلى مكتب جمعية رعاية السجناء، وأبواب الأسطح، والقبو الموجود تحت البناء والذي يؤدي إلى باحةٍ خارجيةٍ داخل السجن، وتم تشكيل لجنة من المعتقلين أنفسهم، حيث اختير بعض من المعتقلين، أصحاب عقول راجحة، فتقاسموا إدارة أمور السجناء والمعتقلين، لضبط كل التحركات العفوية فيما يصب بمصلحة الجميع، ولضمان عدم حصول أية أخطاء، ضمن حالة الفوضى الأولى التي أعقبت إعلان الاستعصاء، للإحاطة بالحالة العفوية للمعتقلين، وترتيبها بشكلٍ مدروسٍ وسليم، بما يتناسب مع حجم همجية هذا النظام وخبثهِ وإجرامه؛ وبدأت هذه اللجنة عملها على ثلاثة محاور رئيسة، أولها، ضمان إغلاق البوابات جيداً مع حراسة مشددة، خوفاً من غدر النظام، وتحديد المطالب الأساسية وتفويض لجنة لإدارة المفاوضات مع النظام، وفق قانون المشاورة مع كامل المعتقلين في حال اتخاذ أي قرار يخص تعديل بنود المطالب، أو بما يخص دراسة أي مقترح من قبل النظام.
وثانيهما ضبط حماس المعتقلين لعدم حدوث أي حوادث دموية ممكن أن تقع بسبب وجود سجناء تابعين للنظام، وموجودين ضمن المبنى، كما يوجد مخبرون كانوا يتعاملون مع إدارة السجن في تسريب معلومات للضباط عن المعتقلين الذين يملكون جوالات.
وفعلاً تم الأمر مثلما كان التخطيط له، حيث أدت المفاوضات في الأربع وعشرين ساعة الأولى، إلى جعل النظام يوافق مبدئياً على عدة بنود من مطالب المعتقلين، ما عدا البند المتعلق بدخول الصليب الأحمر الدولي لرعاية وضمان تنفيذ الاتفاق، حيث رفضه النظام رفضاً قاطعاً، ووضع نفسه الضامن للتنفيذ، وكانت مطالب المعتقلين تتلخص في :
1 ) إطلاق سراح كافة المعتقلين الموقوفين لدى المحكمتين ” الإرهاب والميدان العسكرية ” على دفعات .
2 ) إلغاء أحكام الإعدام، وإعادة النظر في طريقة تجريم وتوجيه التهم للمعتقلين من قبل محكمة الإرهاب الصورية، والتي تعتمد على الضبط الأمني الأولي، ولا تعتمد وجود أدلة مادية تدين الموقوف أصولاً، ( حيث إن أغلب المعتقلين اعتقلوا في بداية عامي 2012،2011، وقتها لم تكن الثورة قد تسلحت، وهذا باعتراف النظام نفسه، في حين إن كل التهم الموجهة إلى المعتقلين تتضمن حمل السلاح واستخدامه .
3 ) الاعتراف بالمعتقلين على أنهم متقلو رأي، وليسوا سجناء جنائيين، كما يدعي النظام منذ الأسد الأب .
4 ) ضمان حياة المعتقلين بعد خروجهم من السجن، وضمان عدم اعتقالهم مرة أخرى، من قبل الأفرع الأمنية، أو تجنيدهم إجبارياً في صفوف جيش النظام، كما حدث مع معتقلي سجن حمص المركزي بعد الاستعصاء الذي حدث في 2012.
5 ) دخول منظمة الصليب الأحمر الدولية لضمان تنفيذ الاتفاق إن حصل .
وبعد تقديم العرض من النظام وفي بادرةٍ لحسن النية، طلب من اللجنة المفاوضة تحديد الأسماء التي ستتضمنها الدفعات المفرج عنهم، وكان هذا الطلب خبيثاً حتى يخلق الخلاف بين المعتقلين في تنظيم قوائم الأسماء على مَن ستتضمنه الدفعات الأولى، لذلك رفض المعتقلون هذه الآلية، وترك للنظام تحديد أسماء المفرج عنهم من قوائم القضاء نفسه.
وفي اليوم الثالث من الاستعصاء، خرجت أول دفعة من المعتقلين المُخلى سبيلهم، وكان عددهم 33 معتقلاً، وهذا ما أثبت بأنَّ النظام قادر على الإفراج عن أي معتقل وإسقاط وصف الإرهابي عنه في أي لحظة .
بعد خروج الدفعة الأولى اشترط النظام تسليم السجن للإدارة، ولكن كل المعتقلين رفضوا التسليم، حتى تنفيذ بنود الاتفاق، فعاد النظام إلى أسلوبه المعتاد بالضغط، بالحصار، والقنابل المسيلة للدموع، مع إطلاق الرصاص المطَّاطي والحي أيضاً؛ فانحصرت الإصابات بحالات اختناق، وجروح طفيفة عند بعض من المعتقلين، وكان إسعافهم بدائياً جداً، لعدم توفر أدوات طبية في السجن المحاصر، فكنا نستخدم خل التفاح، والمشروبات الغازية المتوفرة في السجن، لأجل إسعاف اختناقات الغاز، وحتى مكافحة الغاز كانت بإشعال أغطية الأسرَّة في الممرات لدفع المسيل للدموع من الانتشار في كل المساحة، وامتدت محاولات الاقتحام من قبل عناصر حفظ النظام والمهام الخاصة عدة ساعات، مع ثبات المعتقلين على مواقفهم .
حيث تم توثيق عدد القوات التي تحاصر السجن والمبنى المستعصي، بحوالي 300 عنصر مدججين بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، كانوا يقومون باستفزاز المعتقلين بالشتائم، وترهيبهم بقيام هذه العناصر كل نصف ساعة باختبار جاهزية يوحي بنية الاقتحام، حتى لا يسمحوا للمعتقلين بأي فرصة للراحة، الجسدية والنفسية .
الاستعصاء الكبير في سجن حماه المركزي 1
الاستعصاء الكبير في سجن حماه المركزي 2