#########

الضحايا

الأطفال السوريون: جثث وأعداد جبرية في أرشيف الأمم المتحدة!


لقد فجّر النظام كل حقده وهمجيته على أطفال سورية، حيث اعتبرهم المسبب لقيام الثورة، وكان هدفه من ذلك أن يجعلهم عبرة للأجيال القادمة.

01 / تشرين ثاني / نوفمبر / 2018


الأطفال السوريون: جثث وأعداد جبرية في أرشيف الأمم المتحدة!

 

 

*أنصاف نصر ــ مع العدالة 

 

*مدخل:

لم يكتفِ النظام السوري بتدمير المدن والبلدات وتدمير ثقافتها وحضارتها وتراثها، بل إن هذه الحرب الضروس التي شنها النظام على الشعب تركت آثارها السيئة على أجيال من الأطفال السوريين.

فرائحة البارود وصوت الطائرات سلبت منهم براءتهم، واستبدلتها بثوب القهر والحصار والجوع والتشرد والتهجير. فلا شكل أنّ انتهاك حقوق الأطفال في سورية يشكل محوراً أساسياً من محاور الانتهاكات الواسعة التي ترقي إلى جرائم حرب منذ ٢٠١١ وحتى الآن.

فقد بدأت الثورة السورية ضد نظام الإجرام الأسدي عند اعتقاله اطفال من درعا قاموا بكتابة شعارات ضد نظام البعث على جدران مدارسهم، فلم يتورع النظام عن اعتقالهم وتعذيبهم بأساليب وحشية كالضرب والصعق، وحتى إطفاء أعقاب السجائر في أجسادهم، ما شكل حالة احتقان كبيرة وبدأت الاحتجاجات والمظاهرات وكانت الشرارة التي فجرت الثورة السورية واستمرت انتهاكات حقوق الطفل بشكل كبير إلى اللحظة هذه.

 

انتهاك حق الطفل في الحياة:

عندما يمطر النظام المناطق الخارجة عن سيطرته بكل أنواع الأسلحة، كان هدفه الأول قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين، وأكثر هؤلاء الضحايا كانوا من الأطفال والنساء، وفي تقرير للأمين العام للأمم المتحدة الصادر بتاريخ ٢٧/١/٢٠١٤ قدر عدد الأطفال الذين قتلوا جراء القصف العشوائي على المدن والبلدات السورية بعشرة آلاف طفل، لكن تقديرات اللجنة السورية لحقوق الإنسان تقدر الرقم بما لا يقل عن عشرين ألف طفل.

 

عسكرة مجتمع الأطفال:

عمل النظام السوري منذ توليه السلطة على تدمير اللبنة الأولى للأسرة السورية، وشكل ظاهرة عسكرة مجتمع الأطفال؛ اذ كان انتهاكاً ممنهجاً وطويل المدى، حيث حرص على تربية الطفل في المؤسسات التربوية بطريقة عسكرية، تبدأ بمنظمة طلائع البعث في الصفوف الابتدائية، ومنظمة الشبيبة في المرحلة الإعدادية. وإلى ما قبل 2005   كانت هنالك مادة في المنهاج تدعى التربية العسكرية، ويكون مدرب التربية العسكرية هو الآمر الناهي، وسلطته تتعدى حتى سلطة مدير المدرسة، ويتم تدريب الطلاب على السلاح وأخذهم إلى حقول الرمي لاختبار جاهزيتهم العسكرية، وتستمر هذه الفترة إلى نهاية المرحلة الثانوية، ثم يأتي دور معسكرات الصاعقة والقفز المظلي، لينال الطلاب علامات إضافية تؤهلهم للدخول إلى الجامعة، إذ يكفي أن يكون الرفيق (الطالب) مظلياً ليحجز مقعده في كلية الطب حتى لو كانت درجاته متدنية.

 

أما عند اندلاع الثورة ابتدع النظام ما يسمى باللجان الشعبية وكنت أنا شاهد عيان في مدرسة الصناعة الثانية التي عملت فيها مرشدة نفسية في ٢٠١٢ لغاية ٢٠١٥، حيث تولت الفرقة الحزبية تطويع الطلاب في كتائب البعث، وجنود الأسد، وإغراء الطلبة بمبلغ لا يسد الرمق وسوقهم إلى الجبهات، فينقطعون بهذا عن الدراسة، اضافة إلى تخريبهم من الناحية النفسية، وذلك بشعور المراهق بالسلطة والقوة، فكان يستخدمها بشكل متهور؛ ومن إحدى الحوادث أن طالباً فجر قنبلة بوالده إثر شجار.

 

استخدام الأطفال كدروع بشرية:

اعتاد جيش النظام على استخدام الأطفال كدروع بشرية عند اقتحامه للأماكن الخارجة عن سيطرته كي يحمي نفسه من رد الجيش الحر، حيث كان يجبر الأطفال على الصعود إلى الدبابات أثناء اقتحامه بعض من المدن والقرى السورية.

وأشار الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ ١٥/٥/٢٠١٣ أن جيش النظام قام باستخدام ٥٥ طفلاً وطفلة كدروع بشرية في قرية السفيرة بريف حلب، وحصلت حوادث مماثلة قام بها الشبيحة في حماة.

 

اعتقال الأطفال:

لم يستثن نظام الأسد الأطفال من حملة الاعتقالات لكل من شارك بنشاط يخص الثورة، وذكرنا مسبقاً أطفال درعا في بداية الثورة، كان النظام يعتقل الأطفال ويحتجزهم كرهائن حتى يسلم الأهل أنفسهم.  وتوجد نسبة كبير من الأطفال المعتقلين تعرضوا للتعذيب حتى الموت، وفي أحايين كثيرة كان النظام يعتقل الأطفال فقط، بهدف معاقبة الأهل، وفي حوادث أخرى جرى اعتقال العائلة بأكملها، كما حصل للدكتورة رانيا العباسي التي اعتقلت بتاريخ ١١/٣/٢٠١٣ هي وزوجها وأطفالها الستة.

 

 

تعرض الأطفال في معتقلات النظام لكل أنواع التعذيب الوحشي والاعتداء الجنسي، وقضى الكثير منهم نحبه تحت التعذيب، كما حصل للطفل حمزة الخطيب الذي اعتقل بتاريخ ٢٩/٤/٢٠١١ وظهرت آثار التعذيب على جثته، مثل كسر رقبته إلى بتر عضوه الذكري.

لقد فجّر النظام كل حقده وهمجيته على أطفال سورية، حيث اعتبرهم المسبب لقيام الثورة، وكان هدفه من ذلك أن يجعلهم عبرة للأجيال القادمة.

 

الاستغلال الإعلامي للأطفال وانتزاع شهاداتهم:

كان النظام يعمد إلى إجبار الأطفال على الظهور الإعلامي والإدلاء بشهادات لا أساس لها من الصحة، تنتزع منهم تحت التعذيب.

عرضت قناة الفضائية السورية بتاريخ ٥/١٠/٢٠١٣ اعترافات للطفل المعتقل شعبان عبد الله حميدة ابن الثلاثة عشر عاماً والذي أرغم على القول إنه قتل ٢٣ شخصاً.

كذلك اعترافات الطفلة روان ميلاد قداح ذات ال ١٦ ربيعاً والتي أجبرها النظام على الاعتراف أن والدها كان يستخدمها لعلاقات جنسية مع مقاتلي الجيش الحر، وكان ذلك انتهاكاً سافراً لحرمة طفولتها وتحدياً لكل القوانين والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الطفل.

 

العنف الجنسي:

منذ انطلاقة الثورة السورية استخدم النظام العنف الجنسي بشكل ممنهج بحق الأطفال والنساء، وحتى الرجال أحياناً، وذلك لإذلال المجتمع السوري وتدمير ذاته الإنسانية؛ فقد استخدمت الأجهزة الأمنية العنف الجنسي في تعذيب المحتجزين لديها، وخاصة الأطفال، وقد وثّقت منظمات حقوقية حالات كثيرة حصلت.

 كما أشار تقرير أعدته اللجنة السورية لحقوق الإنسان في ٢٠١٣ أنه تم اغتصاب فتيات تصل أعمارهن إلى ١٢ عاماً، كذلك وثق التقرير شهادة طفل خارج من المعتقل، يقول إنه شاهد رفيقه الذي يبلغ من العمر ١٤ عاماً يتعرض للاغتصاب ثم يقتل.

 

انتهاكات حقوق الطفل الصحية:

اعتمد النظام الحصار الممنهج للمحافظات والمدن الخارجة عن سيطرته، فقطع كافة متطلبات الحياة عن المدنيين، من غذاء وماء ودواء، وسجّل عام ٢٠١٣ نسبة عالية من الإصابات والوفيات بين الأطفال، منها الإصابة بشلل الأطفال واللشمانيا، والتهاب الكبد الفيروسي، وكلنا نذكر عدد الإصابات بشلل الأطفال في محافظة دير الزور نتيجة حصار النظام وانقطاع اللقاحات، وكذلك توفي عدد كبير من الأطفال بسبب الجوع ونقص حليب الأطفال، كما حصل في مضايا والزبداني والغوطة ومخيم اليرموك.

ومن إنجازات نظام الكيماوي، قصفه لكل المراكز والمنشآت الصحية والنقاط الطبية الميدانية، بكافة المحافظات السورية المحررة، وإخراجها عن الخدمة، والإجهاز على الجرحى والمراجعين المحتاجين للرعاية الصحية، فكان الأطفال أول المحرومين من الخدمات الصحية.

 

انتهاك حق الأطفال بالتعليم:

تأثر قطاع التعليم بشكل سلبي ينذر بكارثة على الجيل الذي عايش ثماني سنوات من الحرب الدائرة وحركة النزوح الداخلي والخارجي، الذي انعكس على الأطفال من الناحية التعليمية، نتيجة الظروف المادية السيئة وعمالة الأطفال وانقطاعهم عن الدراسة في مناطق النظام.

أما في المناطق المحررة، كانت المدارس إما تحوّل إلى مراكز اعتقال، أو تكون هدفاً للطائرات، تصب حممها وبراميلها المتفجرة على الأطفال داخل المدارس.

وكما جاء في تقرير الأمم المتحدة بتاريخ ٢٧/١/٢٠١٤ إن النظام قصف٣٠٠٠ مدرسة تعرض معظمها إلى تدمير جزئي أو كلي. وأشارت منظمة اليونيسف في تقرير نشرته في ١٣/١٢/٢٠١٣ أن ٢ مليون طفل في الداخل السوري قد حرموا من حقهم بالتعليم، وهذا عدا عن الأطفال الذين في مخيمات النزوح.

 

المخيمات وحقوق الأطفال المعدومة:

يعيش الأطفال في المخيمات ظروفاً معيشية صعبة، تترك آثاراً عميقة في نموهم الجسماني والعقلي والنفسي، نتيجة تدني مستوى الرعاية الصحية والتعليمية والاجتماعية، وهذا ما سيخلف ضرراً دائماً لشريحة واسعة من المجتمع السوري في المستقبل. وكلنا يشاهد ما يتعرض له النازحون في مخيم الركبان، الذي يضم أكثر من ٧٠ ألف مهجر معظمهم من الأطفال والنساء، حيث يطبق النظام السوري حصاره على المخيم من جهة، والحكومة الأردنية من جهة أخرى، مما يعرض حياة الأطفال للخطر بسبب الجوع والمرض؛ ولا داعي للذكر أن التعليم معدوم في هذه الأوضاع المأساوية، التي يقاسيها الأطفال. ولم يكن الأطفال السوريون أوفر حظاً في مخيمات اللجوء داخل لبنان، إذ معظم الأطفال يضطرون للعمل ويتعرضون للتحرش والعنف، نتيجة العنصرية المتفشية في قسم كبير من المجتمع اللبناني، وحتى الحكومة اللبنانية، قد منعت الأطفال السوريين من الالتحاق بالمدارس اللبنانية في خطة للتضييق على اللاجئين السوريين للعودة، حيث ينتظرهم الاعتقال والموت.

 

أطفال سورية والمستقبل المبهم .. إحصائيات منظمات إنسانية:

أجيال من الطفولة السورية تعرضت للتجهيل والتهميش، وحرمت من أبسط حقوقها التي نصّت عليها كل مواثيق حقوق الإنسان، مما يضعنا أمام تساؤل هام، ما المستقبل الذي ينتظر هذا الجزء من المجتمع الغارق في ثقافة الحرب؟

نهايةً، ضمن تقرير عن منظمة اليونيسف في ١٠/١٠/٢٠١٣ يشير إلى أن هنالك مليون طفل بين اللاجئين دون ذويهم، وأحدث توثيق للشبكة السورية لحقوق الإنسان عام ٢٠١٧ يحصي عدد الأطفال الذين قتلوا على يد النظام السوري بلغ ٢٦٤٤٦ طفلاً منذ بداية الثورة السورية، وأن عدد الأطفال المتسولين في المدن والقرى السورية بلغ حوالي ٢٥ ألف طفل.

 

 

وبحسب تقرير لمنظمة “أطفال سورية ” بمناسبة اليوم العالمي للطفل أن أكثر من ٢١٦٣١ طفلاً قضوا على يد النظام السوري منذ مارس٢٠١١ بينهم ١٨٦ طفلاً كانوا ضحايا للهجمات الكيميائية، و٢٩ طفلاً توفّوا إثر هجمات بالقنابل العنقودية، وأن ٢٨٩ طفلاً ماتوا جوعاً بسبب الحصار الذي فرضه النظام على مناطقهم؛ أما عدد الأطفال الذين تعرضوا للاعتقال حسب التقرير لا يقل عن ١٢٠٠٧ ما يزال نحو٣٠٠٠ منهم قيد الاعتقال، ومعظم الحالات المسجلة ترتقي إلى مرتبة الاختفاء القسري، وأن ١٥٩ طفلاً  توفوا تحت التعذيب،  بالإضافة إلى حرمان ما يزيد على ٣ ملايين ومئتي ألف طفل من الدراسة .

 

هذا هو نظام البعث، وهذه هي (سوريا الأسد)، حيث القانون هو قطف براعم الوطن، وإزهاق أرواحهم ومصادرة مستقبلهم، وحقهم في الحياة الحرة الكريمة على مرأى العالم المتحضر، راعي الديمقراطية وحقوق الإنسان، الذي يسعى إلى إعادة تأهيل هذا النظام فوق جماجم أطفالنا.

.

.

المزيد للكاتبة:

المرأة السورية وانتهاكات الأسد: الضحيّة والأضحية