نظام الأسد ومنذ تأسيسه في انقلاب "1970" لديه سوابق ولواحق أكثر من أن تحصى، فلقد غصَّت معتقلات التعذيب لدى "حافظ الأسد" بمئات الأطفال في فروع الأمن وسجون التعذيب.
18 / تشرين ثاني / نوفمبر / 2020
*مع العدالة | محمد برّو
في المقتلة السورية تتعدد أنواع الضحايا، وتتنوع مواقفهم من الحرب الدائرة، ومدى مشاركتهم فيها، وحدهم الأطفال في سورية، جميع الأطفال متساوون في براءتهم وموقعهم من الحرب وتساويهم في تلقي نتائجها الكارثية، يفقدون آباءهم وأمهاتهم وأشقاءهم، وحتى أطرافهم، دون أن تكون لهم أية جريرة.
نظام الأسد ومنذ تأسيسه في انقلاب “1970” لديه سوابق ولواحق أكثر من أن تحصى، فلقد غصَّت معتقلات التعذيب لدى “حافظ الأسد” بمئات الأطفال في فروع الأمن وسجون التعذيب. وبين عامي “1980-2000” كان في معتقلات “حافظ الأسد” ما يربو على ألف طفلٍ معتقل، لم يبلغ الثامنة عشر من العمر بعد.. وكثيرٌ منهم زيد عمره تزييفاً في المعتقل، وتمت محاكمته على عمره الجديد، وحكم عليه بالإعدام، وتم تنفيذ تلك الأحكام جميعاً؛ وقد شهدت العديد منها بأم عيني في الساحة السادسة من سجن تدمر.
تعِّرف الاتفاقيّة الدوليّة لحقوق الطفل بأنّه (كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المُطبق عليه)، ويُحدّد هذا التعريف انتهاء مرحلة الطفولة واقعاً ببلوغ الرشد، وقد يمتدّ ذلك حتى السنة الثامنة عشرة من عمر الإنسان كما رجّحته الاتفاقيّة.
وإذا كانت الطفولة في شطرها الأهم والأغنى، هو ما تحمله من ذكريات جميلة، وحياةٍ غنية بالألوان والفرح، وبدايات مترعة بالدهشة للمعرفة التي ستكون نواةً تبنى عليها مقبلات أيامهم، فإن أطفالنا في سورية اليوم، قد نالهم الحظ العاثر في جميع ما سلف، فذاكرتهم مليئة بوقائع القتل والتفجير، والفقد والرعب والقلق المستمر، والجوع والعلل الصحية والنفسية، وعجز المعيل وضياع الأحلام أو مسخها إلى حدود الشبع في وجبةٍ مأمولةٍ، أو النجاة من القصف والموت.
ولن ننسى أنَّ الثورة السورية بدأها أطفال درعا الأبطال، أطفال لم يجاوزوا الخامسة عشرة من يفاعتهم، حين صرخت حناجرهم البريئة بنداء الحرية السلمي، ولم تكن جريمتهم سوى بضع كلمات كتبوها على الجدران، دون أن يدركوا أن الجزّار الذي يحكم سورية لا يرعى حرمة طفل أو عجوز.
“صورة لطفلتين سوريتين أمام الخراب الذي أحدثته قوات الأسد” – أنترنت
واليوم وبعد تسع سنوات من اندلاع الثورة السورية، بتنا أمام مشكلاتٍ مزدوجة، فلم تعد جريمة تشويه حياة الأطفال السوريين وانتهاكها وتدميرها، حكراً على النظام القمعي الحاكم والذي لم يترك مفصلاً من مفاصل الحياة السورية، إلّا وأمعن في تخريبه وتشويهه وتدميره، لقد امتد الأمر للشطر الأكبر من الفصائل المسلحة والميليشيات على مختلف انتماءاتها وخلفياتها، والتي صارت الأرض السورية ملعباً لإجرامها وفسادها، واستثماراتها الرخيصة التي لا تفرق بين نفط وتعليم، بين سلعةٍ وإنسان، بين خصومٍ مقاتلين وأطفال، ينافسون النظام المجرم في استيلائهم على المدارس وفرض رؤيتهم ومناهجهم المتخلفة والتي تدور في رحى الحرب واصطفافاتها الضيقة كما يدور الثور في رحى الطاحون.
تورد منظمة (يونيسف) في تقريرها “آذار/ مارس 2020″، إن حوالي 1,000 من المرافق الطبية والتعليمية قد لحقها الدمار الكلّي أو الجزئي إثر الهجمات التي تعرضت لها، وأن عشرين بالمئة من المدارس أصبحت خارج الخدمة التعليمية، إما لأنها تعرّضت للدمار أو الضرر، وإما لإيوائها عائلات نازحة.. وإما لأنها استُخدمت لأغراض عسكرية، وأن أكثر من 2,8 مليون طفل داخل سورية وفي دول الجوار محرومون من فرصة التعليم، ومن المعلوم أن تقارير المنظمات الدولية وربما بسبب عجزها عن استيفاء فرص الرصد في مناطق الحروب تنقل شطراً من الأرقام التي تتجاوز في حقيقة الأمر ما تم رصده وتصنيفه.
ليت الأمر يقف عند هذا الحدّ، فالكارثة المستمرة أن هؤلاء الأطفال الذين عاشوا الحرب أو ولدوا فيها، ترعرعوا في حصارٍ وعوزٍ شديدين، واستمروا في حالة عجزٍ عن توفير ما يحتاجونه من الموارد الصحية والغذائية، وفي سويات اجتماعية متهتكة بفعل استمرار ما يجري وباتوا عرضة للاستغلال في سوق العمل وتجنيدهم في المجموعات المسلحة وفي عصابات السلب وتوزيع المخدرات، والاستغلال الجنسي، ومادةً رخيصةً وسهلةً لسوق تجارة الأعضاء البشرية، ولن ينتهي الحال دون أن يكون هؤلاء الأطفال الضحايا أنموذجاً لما ينتظرنا كسوريين في المستقبل القريب، ولن يكون الأمر سهلاً حين تسير الأمور باتجاه التسويات الكبرى في الساحة السورية، وتنهض القوى المنتصرة أو التي تشاركت في التسويات القادمة بمهمة فرض الأمن، الأمر الذي سيوجب عليها البدء بإجراءاتٍ استثنائيةٍ صارمة، قد تتجاوز في كثيرٍ من الحالات حدود القانون، ليقدَّم هؤلاء الضحايا الذين استحالوا لمجرمين بفعل ظروفٍ قاهرة، كانوا وقودها وحطبها، لتتم محاكمتهم والحكم عليهم، فينتقلون من دور الطفل الضحية إلى دور المجرم المدان.
يصادف في 20 تشرين الثاني اليوم العالمي للطفولة.
مواد شبيهة:
حين أنسانا غازي الجهني رعب سلفه