#########

الضحايا

الاستعصاء الكبير في سجن حماه المركزي 2


هذه التهدئة من قبل إدارة السجن، جعلت المثول أمام محكمة الإرهاب كيفية، وعملت من الترقب سيد الموقف من قبل المعتقلين الذين وصلت أعدادهم إلى أكثر من 800 معتقل.

08 / تشرين أول / أكتوبر / 2018


الاستعصاء الكبير في سجن حماه المركزي 2

 

 

الجزء الثاني : الأسباب المباشرة وغير المباشرة للاستعصاء

عمار حسين الحاج

 

عندما نرى سيرة الأسد الأب والابن، في ما يخص التعامل مع السجون، وكيف تكون ردة فعل هذا النظام على أي تحرك احتجاجي سلمي داخلها، لا نرى إلَّا تاريخاً أسوداً، من القتل والاقتحامات، والتصفيات الانتقامية، مثل (سجني تدمر وصيدنايا) كي لا تفكر باقي السجون بأي فعل احتجاجي ممكن. أمَّا في سجن حماه المركزي كانت الحكاية مختلفة تماماً، من حيث الظروف العامة التي أحاطت بتاريخ الاستعصاء، والنعمة المعلوماتية التي وُجِدَتْ مصادفةً وبشكلٍ سريٍّ في السجن، واستُخدمَت في مسارها الصحيح، لمنع حصول المجزرة .

 

الظروف السياسية في سوريا

في الشهر الخامس 2016 وقبيل الاستعصاء الكبير في سجن حماه المركزي، كان النظام يخوض تخبُّطاً عسكرياً وسياسياً في محافظة حلب وريفها، وكانت الحليفة روسيا تسعى لتثبيت وقفٍ لإطلاق النار مع فصائل المعارضة هناك، وهذا ما أنقذ الأسد في أهم المناطق المشتعلة عسكرياً في تلك الفترة، والامتداد الجغرافي لريف حلب الجنوبي، المتقاطع مع ريفي إدلب وحماه، جعل مهمة روسيا تأمين هدوء نسبي على جبهة حماه في ريفها الشمالي، بعد سيطرة الحرس الثوري على مدينة حماه، وبالتالي محاولة ضبط أي تحرك في الداخل المُسيطر عليه من قبل نظام الأسد، وعدم نشوء أي صراع من شأنه الإخلال في محاولة الروس تثبيت وقفٍ لإطلاق النار في محافظة حلب عموماً، وحلب القديمة على وجه التحديد.

 

داخل السجن قبيل الاستعصاء

في الشهور الثلاثة التي سبقت الاستعصاء، تم نقل عدد كبير من المعتقلين الموقوفين لصالح محكمة الإرهاب ومحكمة الميدان العسكرية، من عدة سجون، بعض منهم كعقوبة، كما حدث مع المنقولين من سجن عدرا، وجزء آخر  بسبب عدم قدرة  بعض السجون على استيعاب الأعداد المتزايدة من الموقوفين التي باتت تفوق قدرتها الطبيعية كملاك للسجن، أو بسبب الحرب الدائرة في المناطق المشتعلة، كما حدث مع المنقولين من سجن حلب المركزي ومن محافظة دير الزور.

 

أصبح عدد السجناء والمعتقلين في سجن حماه في تلك الفترة يفوق ملاك السجن أساساً، وهذا ما أدّى إلى تفاقم الأوضاع المعيشية والإنسانية، والصحية وازديادها سوءاً داخل السجن. فالغرفة الواحدة تستوعب عشرين معتقلاً، بوجود عشرين سرير، ولكن في تلك الفترة أصبح عدد المعتقلين داخل الغرفة الواحدة يتراوح بين 25 كحد أدنى و30 كحد أقصى، وهو العدد في أغلب غرف السجن، مع التقصير الواضح والمقصود من إدارة السجن في تدارك هذه الأوضاع والحد من تفاقمها سوءاً.

 

من ناحيةٍ أخرى، في كل أسبوع أو أسبوعين، يتم تحويل معتقل أو اثنين من الموقوفين لصالح محكمة الميدان العسكرية، من “سجن البالونة” العسكري في حمص، إلى سجن حماه، هؤلاء المعتقلون هم ناجون من سجن صيدنايا السيئ السمعة، وبسبب الظروف الصحية المزرية التي كانوا يعانون منها في سجن صيدنايا، وداخل فرع الشرطة العسكرية في القابون والتي تحتوي على نظارة للموقوفين الذين يتقدمون لمحاكمات في مقر محكمة الميدان العسكرية هناك؛ كانت تتراوح مدة التوقيف في هذه النظارة من أربعة أشهر وحتى العامين، في أسوء الظروف الإنسانية والصحية والمعاملة السيئة والوحشية، ضمن سريَّةٍ تامة، فالحراسة والتشديد الأمني على الفرع والنظارة والمحكمة، من أشد أنواع الإغلاق الأمني في وجه تسريب أية معلومة من داخلها.

أغلب المنقولين من سجن البالونة كانوا يعانون من أمراض قاتلة وسوء شديد في التغذية، ومن أهم الأمراض المنتشرة في هذه السجون والأفرع، السل، والتهاب الأمعاء، وسوء الامتصاص، مع فقدان كمية كبيرة من الوزن الطبيعي، وفقدان ذاكرة مؤقت بسبب سوء التغذية والغياب التام عن العالم لسنوات في زنزانات مظلمة، ومنفردات تشبه القبور.

 

والقسم الطبي الموجود في سجن حماه المركزي لم يكن يؤمن العلاج اللازم لأغلب الحالات المرضية في السجن، وخصوصاً لمعتقلي الإرهاب والميدانية، وبالقياس النسبي كان يقدم بعض المسكنات والمضادات الحيوية بشكل غير طبي و اختصاصي، ودون استقدام أو تحويل المرضى، للفحص لدى أطباء اختصاصيين، وهذا ما جعل المعتقلين الأقدم يقومون بمهمة العلاج للقادمين إلى السجن والذين يعانون من ظروف صحية سيئة. هذا الأمر رسَّخ تضامناً اجتماعياً وإنسانياً، وُلِدَ طبيعياً ضمن حاجةٍ جماعيةٍ للحياة، وضمن توحيد العمل للحفاظ على المجموع ضد عدوٍّ مشتركٍ، هو السبب الرئيسي في كل ما يعانون منه.

 

ومع استمرار تصاعد المطالبة من المعتقلين بإلغاء أحكام محكمة الإرهاب، والتي كان العدد الأكبر منها الإعدام والسجن المؤبد، والمطالبة بمحاكمات عادلة ونزيهة، وكالعادة كانوا لا يتلقون غير الوعود، قام المعتقلون بالإضراب عن المثول أمام المحكمة في دمشق، وبعد عدة مفاوضات وأمام إصرار المعتقلين على مطالبهم، أصدرت إدارة السجن أمراً شفهياً بعدم إجبار المعتقل الذي يرفض المثول أمام محكمة الإرهاب، على مسؤوليته الشخصية، وهذا ما يجعل المحكمة تصدر أحكاماً غيابية على المتغيبين عن جلساتهم. فمحكمة قضايا الإرهاب في دمشق هي محكمة اختصاص قضائية عليا، ومركزية ولا يوجد لها فروع في باقي المحافظات، ولذلك تقوم إدارة السجون بتسيير قوافل أسبوعية، للمعتقلين من السجون المدنية والمختلفة في القطر، إلى سجن عدرا في العاصمة دمشق، ويتم المثول أمام المحكمة لهؤلاء المعتقلين بسوقهم بشكل يومي من سجن عدرا، وبحسب تاريخ الجلسات، ضمن أكثر الظروف إهانةً للتعامل من عناصر الشرطة، والإهانة الأكبر في طريقة النقل عبر سيارات مخصصة لنقل اللحمة، وهي عبارة عن سيارات عسكرية بصندوق معدني كبير لها نوافذ بطول 40 سم وعرض 20 سم، مغلقة بشبكٍ معدنيٍّ صغير الفتحات، ويكون المعتقلون مقيدين بسلسلةٍ معدنيةٍ واحدة مع بعضهم، هذه الطريقة المعترف عليها والمتبعة في نقل المعتقلين من السجون إلى سجون أخرى أو من السجون إلى المحاكم، وهذه الطريقة أشبه بنقل الحيوانات .

 

هذه التهدئة من قبل إدارة السجن، جعلت المثول أمام محكمة الإرهاب كيفية، وعملت من الترقب سيد الموقف من قبل المعتقلين الذين وصلت أعدادهم إلى أكثر من 800 معتقل، موقوفين لصالح محكمتي الإرهاب، ومحكمة الميدان العسكرية؛ ولكن في الشهر الرابع 2016 قد سلمت إدارة السجن ثلاثة معتقلين موقوفين لصالح محكمة الميدان العسكرية، لدورية للشرطة العسكرية، وذلك بناءً على مذكرات إحضار إلى المحكمة، دون معرفة سبب الإحضار، وقد تبيّن فيما بعد وبحسب ما استطاع المعتقلون معرفته من خلال قوافل المحاكم التي تذهب وتعود أسبوعياً إلى السجن، بأنَّ اثنين من هؤلاء المعتقلين قد تمَّ تنفيذ حكم الإعدام بحقهما في سجن صيدنايا، وهذا ما جعل المعتقلين داخل السجن، باتخاذ قرار بعدم تسليم أي معتقل لدوريات الشرطة العسكرية، المُحضرة من قبل محكمة الميدان العسكرية، مهما كلَّفَ الثمن، فالقضية هنا هي الحفاظ على حياة المعتقلين الذين يتعرضون لأكثر المحاكمات ظُلماً، وإجراماً في التاريخ .

 

وهذا ما حدثَ فعلاً في تاريخ 30/4/2016 حيث حضرت دورية للشرطة العسكرية، لاقتياد خمسة معتقلين إلى سجن صيدنايا، فامتنع المعتقلون من تسليمهم، ما جعلَ إدارة السجن، أن تقوم بالتصعيد وتهديد المعتقلين بالعقوبات الشديدة في حال لم يسلِّموا المعتقلين المطلوبين، ودارت مفاوضات ليومين، أصرَّ فيها المعتقلون على عدم تسليم رفاقهم، وهذا ما جعل الإدارة وعلى لسان قائد شرطة حماه، تهدد بتسليم السجن للجيش والقوات المسلحة، ليقوم هو بسحب المعتقلين المطلوبين ومعاقبة السجن، وكانت الشرارة التي  فجَّرت الاستعصاء الكبير في الثاني من الشهر الخامس لعام 2016 .

 

.

.

الاستعصاء الكبير في سجن حماه المركزي 1