#########

الضحايا

المعتقلون السوريون في السجون اللبنانية


تذكر اللجنة السورية لحقوق الإنسان استشهاد الملازم أول أسامة حصوة الذي اعتقل عام 2015 أثناء محاولته استخراج ورقة الحماية المؤقتة، لتتم محاكمته في المحكمة العسكرية وتحويله إلى سجن رومية سيئ السمعة حيث مات هناك

18 / شباط / فبراير / 2019


المعتقلون السوريون في السجون اللبنانية

 

 

*منى محمد- مع العدالة 

 

هرب عدد كبير من السوريين إلى لبنان بهدف البحث عن الأمن الذي فقدوه في بلادهم، وارتضوا أن يعيشوا في مخيمات تفتقر للكثير من الضرورات والمستلزمات الحياتية. لكنهم ومع كل ماتنازلوا عنه، لم يحصلوا على الأمان الذي هربوا من أجله.

 

بداية الاعتقالات

بدأ الأمن والجيش اللبناني بالتضييق على اللاجئين مع بداية اللجوء، لكن الأمر تفاقم وتحول إلى “فضيحة كبيرة” كما أسماها الإعلام آنذاك بعد أحداث عرسال في الشهر السابع من عام 2017 حيث قامت مجموعة من المسلحين المرجح انتمائهم إلى تنظيم داعش بالاعتداء على قوات الجيش اللبناني، ولأن الجيش لم يستطع التغلب عليهم، قام بالانتقام من أهالي المخيمات هناك واعتقل ونكّل بالكثير منهم.

 

شهادات من عرسال

يروي قاطنو عرسال الكثير من الشهادات عن كيفية اقتحام الأمن اللبناني للمخيم وما فعله باللاجئين، حيث اعتقل العشرات منهم وعادت جثث ثمانية من المعتقلين بعد ساعات فقط من اعتقالهم. وهناك الكثير من الشهادات تتحدث عن تعذيب المعتقلين وأن الجثث التي عادت للمخيم كانت آثار التعذيب واضحة عليها. ومن شهداء الاعتقال في ذلك الاقتحام، المسعف جهاد كنعان الذي أصيب برصاصة في رجله قبل اعتقاله ليعود إلى المخيم جثة هامدة.

 

ورغم الفضيحة المدوية التي أعقبت ماقام به الجيش اللبناني في تلك الفترة إلا أن اقتحامات

المخيم لم تتوقف عند هذا الحد.

 

 إحصائيات وأسباب الاعتقال

بلغ عدد المعتقلين السوريين في السجون اللبنانية بحسب ماورد عن اللجنة السورية لحقوق الإنسان 2500 معتقلاً تم توثيقهم، لكن هذا العدد لا يضم جميع من تم اعتقاله، بل هناك أضعافه تم احتجازهم في مراكز وأفرع الأمن والمخافر.  وأيضاً يضيف المحامي نبيل الحلبي مدير مؤسسه لايف للتنمية الديمقراطية أن هناك معتقلين يتم حجزهم في الثكنات العسكرية، ومراكز الأمن التي يصعب على منظمات حقوق الإنسان وأهالي المعتقلين وأيضاً المحامين الوصول إليها.

وتضيف اللجنة السورية أن هذا الاحتجاز يرافقه الكثير من انتهاكات حقوق الإنسان، وأن هذه الانتهاكات تمارس من قبل سلطات الأمن اللبناني، وتحديداً مديرية الأمن العام ومخابرات الجيش، وتتراوح تهم المعتقلين بين الانضمام لمنظمات إرهابية كتنظيم داعش، وهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) أو الانضمام للجيش الحرّ، وبين الدخول إلى لبنان بطرق غير شرعية والعمل من غير ترخيص.

وتذكر اللجنة السورية لحقوق الإنسان استشهاد الملازم أول أسامة حصوة الذي اعتقل عام 2015 أثناء محاولته استخراج ورقة الحماية المؤقتة، لتتم محاكمته في المحكمة العسكرية وتحويله إلى سجن رومية سيئ السمعة حيث مات هناك.

ويضيف لنا المحامي نبيل الحلبي مديرمنظمة لايف للتنمية والديمقراطية اللبنانية، أن أسباب الاعتقال الأكثر شيوعاً هي أسباب سياسية، ويتعرض لها معارضو نظام الأسد تحديداً، إذ لايوجد اعتقالات تُذكر لمؤيديه المتواجدين على الأراضي اللبنانية. وأن الدولة اللبنانية معروفة بتاريخها الاستخباراتي الأمني المجحف بحق اللاجئين، منذ بداية اللجوء الفلسطيني في لبنان، إلى الوجود السوري؛ حيث تعتبر الحكومة اللبنانية أن اللاجئين هم خطر على الأمن القومي في لبنان، ليتضخم العنف ضد اللاجئ واعتقاله، ومن ثم تجريمه بالإرهاب وعرضه على المحاكم العسكرية اللبنانية.

بينما يحدثنا الإعلامي والناشط أحمد القصير عن اعتقاله شخصياً، حيث داهم الأمن اللبناني منزله وقاموا بضربه أمام زوجته وأولاده وتعرض أيضاً للضرب من قبل أحد العساكر في مركز الأمن، بسبب معارضته للنظام السوري، وبحجة ورقة الإقامة.

كما يروي لنا محمد وهو أحد المنشقين عن جيش النظام كيف قام الأمن اللبناني باعتقاله أثناء محاولته السفر إلى تركيا، بذريعة أن جواز سفره مزور، رغم أنه صادر عن الهجرة والجوازات السورية. ويضيف محمد أنه أُضطر كغيره من المعتقلين السوريين إلى دفع مبالغ كبيرة للخروج من السجن.

 

المحكمة العسكرية في لبنان

لا تختلف السجون والمحاكم في لبنان عن مثيلتها في سورية، حيث يتم تحويل المعتقل إلى المحاكم العسكرية التي تعتبر وحسب المحاصصة السياسية اللبنانية تابعة لحزب الله اللبناني، الذي يقاتل في سورية إلى جانب جيش النظام، وبعض هؤلاء المعتقلين ينتظر لأكثر من سنة ليمثل أمام المحكمة   التي تقوم بتجريمه بتهمة الإرهاب، لمجرد وجود صورة لعلم الثورة في جواله على سبيل المثال؛ كما حدثنا المحامي نبيل الحلبي. ويضيف الحلبي أن مسألة تأخير محاكمة المعتقلين هي من ضمن استراتيجية المحكمة لإبقاء المعتقلين رهن الاعتقال أطول فترة ممكنة.

وهناك العديد من الضباط السوريين المنشقين عن جيش النظام، يتم اعتقالهم على حواجز الجيش اللبناني، ومن ثم محاكمتهم بتهمة الانضمام إلى منظمات إرهابية، دون التمييز بين التنظيمات المسلحة في سورية، فالنسبة للأمن اللبناني الجيش الحر لايختلف عن المنظمات التي صُنفت بالإرهابية كتنظيم داعش أو النُصرة. وبحسب ما أفاد به المحامي نبيل الحلبي فإن معظم هؤلاء المنشقين يتم إعادتهم إلى الأراضي السورية وتسليمهم لنظام الأسد.

 

الخطف بهدف الابتزاز أو التسليم للنظام

لم يقتصر الأمر في لبنان على الاعتقال المباشر، بل إنه بدأ بالخطف منذ بداية الثورة السورية وربما قبلها، حيث تم اختطاف عدد من النشطاء سوريين في شهر شباط عام 2011، أي قبل اندلاع الثورة السورية بسبب دعوة هؤلاء النشطاء لما سمي بيوم الغضب والتظاهر أمام السفارة السورية في لبنان، وقد تم تسليمهم للنظام، أتبع ذلك الكثير من عمليات الخطف لضباط سوريين منشقين ونشاط وسياسيين خاصة من تواجد منهم في منطقة البقاع حيث تسيطر المخابرات التابعة لحزب الله.

ولاننسى اختطاف المعارض السوري شبلي العيسمي الذي تم على يد عصابات تابعة للنظام، وأيضاً اختطاف خمسة نشطاء سوريين أكراد من مناطق مختلفة في لبنان، كما وثقت منظمة لايف لحقوق الإنسان. وتتبع هذه العصابات كما ورد عن المنظمة، إما لحزب الله اللبناني، أو حزب البعث السوري.

 

 بين سجن الريحانية وسجن رومية يموت العشرات من المعتقلين

لم يكن سجن الريحانيةالتابع للشرطة العسكرية مُعداً لاستقبال عشرات المعتقلين السوريين، بل هو سجن عسكري صغير تابع للثكنة هناك، وقد خُصص لتأديب العساكر المجندين في الثكنة لمدة لا تتجاوز الــ 24 ساعة. لكنه أصبح ومنذ بداية اللجوء إلى لبنان، سجناً يستقبل المعتقلين السوريين تحديداً، ولمدة تتجاوز السنوات أحياناً.

كما أن هناك أيضاً سجن أبلح، وهو أيضاً ثكنة عسكرية أصبحت سجناً سيئ السمعة، قُتل فيه العديد من السوريين تحت التعذيب؛ ويذكر المحامي نبيل الحلبي أن منظمة لايف وثقت استشهاد طفل لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره تحت التعذيب في هذا السجن.

ولا يخفى على أحد أن سجن رومية الذي يعتبر من أكبر السجون في لبنان، يفتقر للكثير من المستلزمات الصحية والمعيشية، وقد حاول السجناء سابقاً الإضراب في السجن من أجل تحسين ظروفه والإسراع في محاكماتهم، وكان الإضراب يضم السجناء اللبنانيين والسوريين معاً.

 

النساء والأطفال ونصيبهم من الاعتقال

اتبع الأمن اللبناني سياسة النظام في اعتقال النساء السوريات، حيث إن خلفية اعتقال الكثيرات منهن هو الضغط على أبنائهن أو أزواجهن لتسليم أنفسهم للأمن اللبناني، وقد تعرضت العديد من النساء السوريات للاختطاف والاعتقال التعسفي من أجل مبادلتهن مع جنود لبنانيين كانوا موجودين لدى هيئة تحرير الشام -جبهة النصرة سابقاً-  وأغلب النساء يعملن بالإغاثة أو الأعمال الإنسانية، وليس لهن أي عمل سياسي  وتتعرض تلك النساء للكثير من الانتهاكات والتعذيب، ويتم وضعهن في أماكن سرية لايمكن الوصول إليها.

وتذكر منظمة لايف في تقريرمشترك لها مع الصليب الأحمر أن بعض من النساء تعرضن للاغتصاب من قبل عناصر في الجيش اللبناني؛ وأن إحدى النساء تم إيهامها أنها على الأرض السورية، وأن من اغتصبها هم من فرع فلسطين في دمشق، لتكتشف المرأة بعد خروجها من المعتقل أنها مازالت على الأراضي اللبنانية، وأنها كانت بأحد السجون التابعة للحكومة اللبنانية، كما أخبرها الصليب الأحمر.

بينما يتعرض الأطفال للاعتقال مع ذويهم، أو للاعتقال الفردي، هناك أطفال استشهدوا تحت التعذيب في السجون اللبنانية، وآخرون ماتوا بسبب سوء الوضع الصحي، ويقف هؤلاء الأطفال أيضاً أمام المحكمة العسكرية، بحضور مندوبة عن قسم الأحداث في المحكمة الجنائية.

 

خلاصة

مع استمرار الاعتقالات التي تحدث بشكل يومي، وممنهج ضد اللاجئين السوريين إما بهدف إخافتهم وإجبارهم على أن يعودوا إلى الأراضي السورية، أو بهدف الخطف والابتزاز، أو الانتقام منهم بسبب معارضتهم للنظام، يرى الأستاذ نبيل الحلبي أنه من الضروري تحويل القضية إلى الفضاء السياسي، وأن يكون الملف على طاولة المفاوضات في جنيف وسوتشي، وأن يتم المطالبة بالمعتقلين السوريين في السجون اللبنانية كما يتم المطالبة بالمعتقلين لدى النظام.

وأن على المنظمات السورية التي تهتم بقضية المعتقلين إدراج هذا الملف ضمن أولوياتها، وأنه على الجميع تحمل مسؤوليته اتجاه هؤلاء اللاجئين المعتقلين الهاربين من الموت إلى الموت.

 

مواد شبيهة :

 “محمد” شاهد تقرير  واشنطن بوست يروي لــ _مع العدالة ما لم يقله في التقرير
تاريخ سجن حمص المركزي من الاستعصاء إلى التأمين