#########

الضحايا

الهروب إلى مخيمات الموت.. قدر السوريين الأسود!


ينص القانون الإنساني الدولي من خلال اتفاقية اللاجئين لعام 1951، على حماية النازحين عندما يصبحون ضحايا لنزاع مسلح، في حال وقعوا في قبضة الطرف المعادي أو تعرضوا لأعمال عدائية.

02 / تشرين ثاني / نوفمبر / 2018


الهروب إلى مخيمات الموت.. قدر السوريين الأسود!

 

*محمد زياد الراشد

 

منذ اندلاع الثورة السورية ونظام الأسد يتفنّن بقتل وتهجير المدنيين بأبشع الطرق، ويلاحقهم كالموت الذي لا مفرّ منه، ما تسبب بتهجير الملايين منهم، وكان لمحافظة دير الزور النصيب الأكبر من ذلك النزوح، حيث نزح ما يقارب 80% من أهلها نحو الأحياء الأخرى، أو من الريف إلى المدينة أو إلى المحافظات السورية الأخرى، وتجاوز عدد النازحين ما يقارب المليون شخص غالبيتهم من الأطفال والنساء.

 

مقابر جماعية:

اضطر المدنيون في دير الزور للنزوح إلى أماكن اعتقدوا أنها أكثر أمناً، بسبب القصف الهمجي والممنهج على مناطقهم، فلجأوا إلى بعض المخيمات التي لم يعصف بها المرض أو الجوع أو البرد فقط، بل ذاقت لوعة صواريخ طائرات النظام وحلفاؤه الروس، التي لم تُبقِ ولم تذر، كما حصل في بلدة “سعلو” بريف ديرالزور الشرقي بتاريخ 16/10/2017 عندما أغار الطيران الروسي على مدرسة تؤوي نحو 80 عائلة نازحة فرّت من ويلات الحروب، وتم استهدافها بأكثر من صاروخ أسفر عن استشهاد عشرة أشخاص غالبيتهم من النساء والأطفال، فيما اعترف الروس بتلك المجزرة مدّعين أن المدرسة تضم خلايا تابعة لتنظيم “داعش”، في المقابل أكد نازحوا المدرسة أنه لا يوجد فيها إلا عائلات مدنية وأن المنطقة خالية من عناصر التنظيم.

 لكن هذه الحادثة لا تعتبر الأولى من نوعها حيث استهدف الروس مدرسة “حسان العطرة” الخاضعة لسيطرة الأسد بتاريخ 5/10/2017 وقتلوا خمسة عشر شخصاً غالبيتهم من طلاب المدرسة، مبرّرين ذلك بأنه خطأ فنّي، لكن إن دلّ ذلك على شيء، فإنه يدل على عشوائية القصف وهمجيته، التي لا تميز بين عدوٍّ وصديق أو بشرٍ وحجر.

 

ولم يقف إجرام الروس على تلك المجزرة فقط، حيث فُجع السوريّون بمجزرة أخرى في مخيم “سوح الرفاعي” بالقرب من بلدة معيزيلة في بادية البوكمال بريف دير الزور الشرقي بتاريخ 24/11/2017، والذي لا يضم سوى خيم بالية لا تقيهم برد الشتاء وجحيم الطائرات، التي استهدفتها تلك الصواريخ وتسببت باستشهاد أكثر من سبعة عشر مدنياً.

 

وقال “كمال السالم” أحد الناجين من المجزرة التي حصلت في المخيم، “إن أغلب الضحايا هم من الجرحى الذين لم نتمكن من إسعافهم وإعطائهم الدواء، بسبب تقطيع أوصال المدن وتدمير الجسور، ما اضطرنا إلى المجازفة بأرواحنا لإسعافهم عن طريق العبّارات المائية إلى الطرف الآخر لتلقّي العلاج اللازم، لكن غالبيتهم فارقوا الحياة بسبب النقص الحاد في الأدوية والكوادر الطبية وخروج أغلب مشافي ريف المدينة الشرقي عن الخدمة”.

 

 

وفي اليوم الذي وقعت فيه مجزرة “سوح الرفاعي” كانت طائرات الروس تقصف بلدتي “الغبرة والسيال” في ريف البوكمال، ما أجبر المدنيين على النزوح إلى البادية لاعتقادهم أنها أكثر أماناً، إلا أن إجرام الأسد لا أمان له، حيث أغارت طائراته بتاريخ 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2017 على أولئك النازحين الذين فرّوا من قدرهم ليلتقوا به من جديد، وتم استهداف المخيم بأكثر من صاروخ أسفر عن استشهاد أكثر من 15 مدنياً بينهم 3 نساء و6 أطفال منهم عائلتان.

وتتوالى المجازر الواحدة تلو الأخرى؛ فها هي بلدة “الشعفة” التابعة لمدينة البوكمال تتجرّع من كأس الموت ذاته، إثر تعرضها للقصف الجوي بتاريخ 26 تشرين الثاني/ 2017، حيث قامت طائرات حربية بعد منتصف الليل بقصف تجمع للنازحين من مدينة البوكمال إلى البلدة، ما أدى إلى مقتل 40 مدنياً بينهم 9 نساء و13 طفلاً.

 

أسماء شهداء المخيمات 

وأكد “أبو مروان” أحد الكوادر الطبية أنهم سلكوا الطرق الزراعية أثناء إسعاف المصابين، خوفاً من استهدافهم من قبل الطيران، ما جعل الطريق إلى النقاط الطبية في بلدة هجين التابعة للبوكمال طويلاً، حيث توفي بعض من المدنيين الذين أصيبوا بجراح خطيرة، وذلك بسبب بعد المسافة بين المنطقة المستهدفة والنقاط الطبية.

حيث كان الموت رفيقاً لهم في كل مكان، كما لو أنه ظلّهم الذي لا يفارقهم حتى في المناطق الحدودية كمخيم “الحمدان” الواقع على الحدود السورية الأردنية، حيث نال نصيبه من الإجرام الروسي في 12/7/2016 فيما تناوبت عليه أكثر من سبع طائرات وألقت عليه ثلاث قنابل عنقودية موقعةً أكثر من 20 شهيداً على الأقل وأكثر من 40 جريحاً.

طبعاً لا ننسى المخيمات التي دّثرت كسابقاتها دون أن يهتز لها جفن العالم، أو حتى يسمع بها كما حصل في مخيم “فيضة الجب” بتاريخ 5/11/2017 الذي راح ضحيته عائلتان بالكامل، جلّهم من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى مخيم “العوينة” في الريف الشرقي الذي قصف في 16/11/2017 وأسفر عن مقتل 13 نازح، ومخيم “الحمدان” بريف البوكمال الذي أودى بحياة أربع عوائل نازحة لم ينجُ منهم أحد.  فجميعها كانت شاهداً على إجرام النظام والروس.  

 

قتل تحت الحماية الدولية

ينص القانون الإنساني الدولي من خلال اتفاقية اللاجئين لعام 1951، على حماية النازحين عندما يصبحون ضحايا لنزاع مسلح، في حال وقعوا في قبضة الطرف المعادي أو تعرضوا لأعمال عدائية. ويحظر مهاجمتهم من قبل أطراف النزاع، أو إرهابهم أو استخدام التجويع كأسلوب من أساليب القتال، أو تدمير المؤن والأغذية اللازمة لمعيشتهم، أو هدم خيامهم.

ويتمتع النازحون خلال النزاعات المسلحة غير الدولية “الداخلية” بالحماية التي تكفلها لهم المادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات “جنيف” الأربع و”البروتوكول” الثاني فيما يحظر القانون الدولي الإنساني الترحيل الإجباري منعاً لنشوء حركات النزوح، إلا في الحالات التي يكون فيها هذا الترحيل ضرورياً لأمن السكان أنفسهم، أو لأسباب عسكرية قاهرة.

 

 

وعلى الرغم من الحماية التي تقدمها تلك القوانين الدولية والحملات التي قام بها أبناء ديرالزور لإيقاف تلك المجازر كحملة “مخيمات الموت” التي تم إطلاقها في أغسطس من العام الماضي.

إلا أن الروس والأسد ضربوا بها عرض الحائط، متجاوزين جميع الخطوط الحمراء، ومجلس الأمن ومحكمة الجنايات الدولية، وكأنما هم من يضعون تلك القوانين ويخرقون بنودها.

فيما يتساءل السوريون عن موقف القانون الإنساني الدولي، ومجلس الأمن، من تلك الانتهاكات والمجازر، وغياب قرار الفصل السابع الذي ينص على التدخل العسكري في حال تم انتهاك القرارات الأممية، مدركين أن الفيتو الروسي هو السبب في إزهاق أرواح آلاف الأبرياء منهم، وأن تلك القوانين هي فعلاً مظلةً للروس لتحميهم من المساءلة والمحاسبة.

 

تاريخ أسود

وتلوح في أفق ذاكرتنا تلك المجازر التي ارتكبتها إسرائيل لمخيمات الفلسطينيين في مخيم دير ياسين بتاريخ 10/4/1948 ومجزرة صبرا وشاتيلا في 16/9/ 1982 في لبنان، والتي تُشابه بشكل كبير تلك المجازر التي ارتكبها الأسد الأب والابن بحق السوريين والفلسطينيين منها مخيم “تل الزعتر” في بيروت بتاريخ 12 أغسطس/آب عام 1976 والذي راح ضحيته أكثر من 3000 شهيد فلسطيني بسبب قصف حافظ الأسد للمخيم بشتّى أنواع الأسلحة، حيث توضّح لاحقاً أنه ورّث إجرامه لابنه ليمارسه علينا، وعلى الفلسطينيين أيضاً في مخيماتهم داخل سورية مثل مخيم اليرموك، ومخيم الرمل الجنوبي في اللاذقية، ومخيم حندرات في حلب، وغيرهم !

فيما يأمل السوريون أن تبقى مخيماتهم آمنةً، وبعيدةً عن شبح الموت الذي لا زال يلاحقهم منذ بداية نزوحهم، وإلا تكون مثل مخيمات الفلسطينيين التي أصبحت أشبه بمقابر جماعية.

 

المزيد للكاتب 

شهداء المعابر المائية في ديرالزور.. “شموع خضر” الثورة