#########

الضحايا

تاريخ سجن حمص المركزي من الاستعصاء إلى التأمين


طالبنا في رمضان 2012 بفتح الساحة الصغيرة إلى ما بعد الإفطار، واتفقنا على أن ننتفض في وجه الضباط وإدارة السجن، فكان الاستعصاء الأول

20 / كانون الثاني / يناير / 2019


تاريخ سجن حمص المركزي من الاستعصاء إلى التأمين

 

*منى محمد

 

مع انطلاق الثورة السورية بدأت عمليات الاعتقال، تطارد المشاركين وحتى غير المشاركين فيها لأسباب كثيرة، وامتلأت السجون بالمعتقلين، وكانوا في كل سجن يأخذون اسماً مختلفاً؛ ففي سجن حمص أطلق عليهم” قضايا أو سجناء الشغب”.

 

 

بداية استعصاء سجن حمص

في عام 2011 بدأ نقل بعض المعتقلين من الأفرع الأمنية إلى السجون المدنية، وكان لسجن حمص حصة كبيرة من المعتقلين، وبدأت الأعداد تتكاثر كل يوم حيث وصل عدد المعتقلين في ظل الثورة بسجن حمص تقريباً 3500 معتقلاً (كما أخبرنا منذر عكو أحد معتقلي سجن حمص ومن المشاركين في الاستعصاء).

أضاف “عكو”: عمدت إدارة السجن إلى وضع المعتقلين في جناح تحت الأرض (القبو) واسموه جناح الشغب. وقد كان الجناح غير مؤهل لاستقبال هذه الأعداد الهائلة من المعتقلين، ولايملك أدنى مقومات المكان الصحي، فإدارة السجن تقصّدت إغلاق النوافذ الصغيرة، الوحيدة المتواجدة للتنفّس، ومنعت المعتقلين من الخروج إلى التنفس، رغم كثرة الساحات في بناء السجن، فأصبح الأمر أشبه بالأفرع الأمنية، علاوة على المعاملة السيئة من قبل إدارة السجن برئاسة خالد كاخيا، الذي يعمل على إهانة جميع المعتقلين بمشاركة عناصره و “الشبيحة” المتواجدين في السجن.

طالبنا في رمضان 2012 بفتح الساحة الصغيرة إلى ما بعد الإفطار، واتفقنا على أن ننتفض في وجه الضباط وإدارة السجن، فكان الاستعصاء الأول.

استمر هذا الاستعصاء قرابة 13 يوماً، فكان رد إدارة السجن علينا قاسياً، فقد استهدفونا بالقنابل المسيلة للدموع، ثم بالرصاص الحي، حيث استشهد خمسة معتقلين وأصيب نحو أربعين آخرين بإصابات مختلفة.

تمكّنا من أخذ البناء القديم والجديد، ووصلنا إلى السطح؛ وقد طالبنا بحضور المسؤولين لحل النزاع الحاصل، حيث إن وسائل الإعلام نقلت ما حصل، وهذا كان رادعاً للنظام وإدارة السجن. جاء المحافظ، ودخلت وساطة وجهاء حمص، بعدها تم الاتفاق على أن يسمحوا لنا بالخروج للتنفس، إضافة إلى الاهتمام بحقوقنا في السجن، مع تخفيف قبضة الضباط علينا.

 

بقي التأمين مستمراً بشكل خفيف إلى عام 2013، حيث تمت السيطرة الكاملة على السجن ولم يعد يُسمح للشرطة بالدخول إلينا؛ ولم نعد نغلق المهاجع وقتها.

 

فأصبح السجن مقسوماً بين بناء قديم نسيطر عليه وبناء جديد يوجد فيه سجناء الأحكام الجنائية تحت سيطرة الإدارة والضباط.

 

إدارة جديدة وإضراب البطون الخاوية

مع استمرار معتقلي السجن بالاستعصاء قام النظام بتغيير الإدارة؛ فكان المدير الجديد العميد بلال سليمان محمود، الذي قام بقطع الماء والكهرباء عن السجناء، وتهديدهم بالسلاح إن لم يقوموا بتسليم السجن وعودة التأمين. وقام العميد بلال باستدعاء قوات خارجية، وقناصة توزعوا على الأسطح المقابلة لبناء السجن المستعصي، كما ذكر أبو محمد الحمصي، أحد المعتقلين السابقين في سجن حمص ومن المشاركين بالاستعصاء.

قال أبو محمد: كان الإضراب في الشهر العاشر من عام 2017 بعد إصرار العميد الجديد بلال على تسليم السجن وتأمينه. وكان ردّ السجناء حينها بأن أضربوا عن الطعام، وأصدروا بياناً سُمي ببيان “إضراب البطون الخاوية” موجهين النداء للناشطين والمنظمات الحقوقية والإنسانية من خطر اقتحام السجن وقتلهم؛ إذ يتضمن البيان مطالبة بتسوية أوضاعهم، فالعديد منهم رفض بتاتاً الذهاب إلى دمشق من أجل المثول أمام محكمة الإرهاب، أو المحكمة الميدانية.

انتهى الإضراب بتدخل وجهاء من مدينة حمص كوساطة بين إدارة السجن والسجناء، ونتيجة ذلك جاءت لجنة قضائية إلى السجن، للنظر في قضايا المعتقلين، ورغم عدم قانونية هذه اللجنة كما أوضح “فهد الموسى” مدير منظمة هيئة الأسرى السوريين، فالمحكمة عُقدت في السجن طيلة نهارين كاملين واستمرت لساعات متأخرة من الليل.

كانت هذه اللجنة بمثابة مخدر للمعتقلين، حيث تم تأجيل الكثير من الدعاوى، وإطلاق سراح معتقلين وسجناء بجرائم جنائية بقوائم تم طرحها من قبل محكمة الإرهاب.

هذه القائمة من المعتقلين الجنائيين الذين تم إطلاق سراحهم، جعلت السجناء ينهون إضرابهم الذي استمر أكثر من 6 أيام، ولكنّ الأمر توقف هنا.

 

عودة السجن إلى قبضة النظام والتأمين على السجناء

مع نهاية عام 2018، فُوجئ الجميع، باستيلاء النظام على السجن، مع عودة التأمين والسيطرة الكاملة لإدارة السجن، فكيف حدث ذلك!؟

من داخل سجن حمص يروي “أحمد المحمد” أحد المعتقلين المتواجدين حالياً في السجن لــ مع العدالة ما حدث قائلاً: لقد قام اثنان من شبيحة النظام، وهما سجينان بجرائم جنائية، بالغدر بأهم شخصيات الاستعصاء، وحملوهم خارج البناء القديم ليلاً، لنستيقظ ونجدهم قد سلموا السجن للشرطة، وقد قاموا بتهديدنا بتسليمنا للنظام.

ويضيف المحمد: كان الأمر مخططاً له، فقد كانت محكمة الإرهاب تطلب الكثير من المعتقلين، لتصبح أعدادنا اليوم حوالي 175 معتقلاً (شغب). وقد طلبت محكمة الإرهاب في دفعات قريبة بين 20 إلى 30 معتقلاً، وتتراوح مدة غيابهم من أسبوع إلى شهر ونصف خارج السجن.

نقصت أعدادنا، وبهذا تمكنوا منا. كان الاتفاق أن نبقي (هواتفنا الجوالة) معنا، مع عدم دخول الشرطة إلى البناء القديم، سوى للتأمين فقط، لكنهم قاموا بدمجنا مع سجناء البناء الحديث، وهم مجرمو القضايا الجنائية، وبعض منهم “شبيحة” لإدارة السجن؛ لذا بدأوا بالتضييق علينا، فأصبحت كلماتنا محسوبة علينا، بعد أن كنا نتمتع بحرية كاملة داخل السجن.

ويتابع المعتقل “أحمد المحمد”: لقد قاموا بنقل اثنين من المعتقلين إلى سجن اللاذقية، عقوبة لهما، وربما يتم نقلنا أيضاً. لا نعرف ما المخطط له، حيث إن كل الوعود السابقة بتسوية أوضاعنا كانت كذبة كبيرة.

 

كما أبدى “فهد الموسى” مدير منظمة هيئة الأسرى السوريين، تخوّفاً كبيراً من عودة التأمين للسجن، خلال تصريح أفاد به لــ مع العدالة: إن التأمين هو إسكات لما تبقى من أصوات المعتقلين في السجون المركزية، والأخطر من ذلك هو دمج المعتقلين مع أجنحة الجرائم الجنائية ووضعهم في مكان واحد.

وقد اعتبر “الموسى” هذا الأمر ظاهرة خطيرة، فالمعتقلون مع قلّة أعدادهم سيكونون تحت رحمة الكثير من شبيحة النظام والمأجورين لديه؛ وبهذا لربما يقوم هؤلاء بالاعتداء المباشر على المعتقلين، لتعتبر إدارة السجن حينها الأمر ضمن حالات الشجار المعتادة في السجون.

 

زيارات السجن

لم تُسجل حالات تضييق على الزيارات لسجناء جناح الشغب، رغم أن زيارات سجن حمص وطريقة التفتيش التي تتعرض لها النساء، تُعد من أبشع وأوقح الطرق، إذ يتم تعرية الزائرة أحياناً وتفتيشها بطريقة تنتهك حرمتها، كما وصفها المعتقل السابق (أبو محمد الحمصي) وأكد عليها المعتقل “أحمد المحمد”.

فالزيارات مهينة جداً، كما يقول “المحمد”، وذلك قبل التأمين، ويضيف: ” إن هذه الآلية بتفتيش الزائرات ممنهجة منذ سنوات، وقد تم منع أهلي من زيارتي في السجن، ولم أرَ أياً منهم منذ سنوات، إذ يكتفي الكثير من الزوار بترك مصروف وأغراض الزائر عند بوابة الأمانات مفضّلين عدم الزيارة.

 

*ملاحظة:

التأمين هو إحصاء أعداد السجناء في الزنزانة مساءً وذلك من خلال تفقدهم بالاسم، ومن ثم إغلاق أبواب الزنازين والمهاجع.

 

 

مواد شبيهة:

 “محمد” شاهد تقرير  واشنطن بوست يروي لــ _مع العدالة ما لم يقله في التقرير

.

.