#########

الضحايا

“نور الدين رمضان”: من فرع الهجرة والجوازات بدمشق إلى فرع -251-شعبة المخابرات العامة


سجون الأسد تتشابه والسجانون متشابهون لكن مذاق الموت يختلف بحسب مزاجية الجلاد وانتماء المعتقل الديني أو المكانة الاجتماعية

08 / أيلول / سبتمبر / 2019


“نور الدين رمضان”: من فرع الهجرة والجوازات بدمشق إلى فرع -251-شعبة المخابرات العامة

 

 

*مع العدالة

 

 

“لم أدرِ أنّ جواز السفر السوري يمنحنا تأشيرة إلى أقبية المخابرات والمقابر؟!”

 

هكذا باستغراب يروي “نور الدين رمضان” تجربة اعتقاله وهو من مدينة الرقة السورية كان يدرس في كلية الإعلام – جامعة دمشق.

 

يقول “رمضان”: كنتُ أدرس في قسم الإعلام ولم يتبقَ لدي سوى بضع مواد كي أتخرّج؛ وفي تاريخ 9 أيلول/ سبتمبر 2014 وصلت أمي وخالتي، وأخي وأختي الصغيران إلى دمشق قادمين من مدينة الرقّة لاستخراج جوازات سفر، كي يتجهّزوا للسفر إلى ألمانيا بداعي لمّ الشمل من قبل أخي الصغير اللاجئ هناك. 

 

في (فرع جوازات السفر-منطقة البرامكة)، طلب مني الموظف الصعود للطابق الأخير، بعد أن ذهبت مع أهلي كي أساعدهم بإجراءات وثائق السفر. وكنت أعلم أنّ هذا القسم في المبنى يُعنى بالمطلوبين أو من الذين لديهم إشكالات أمنية.

 أعطيتُ أخي الصغير هاتفي المحمول الذي يحتوي على مقاطع “فيديو” تخصّ الحراك الثوري، وأخذتُ هاتفه القديم، وأبلغته أن يغادروا إن لم أعد خلال فترة وجيزة.

 

  • يضيف “رمضان” عن مراحل التحقيق الأولية وإجراءات فحص البيانات والتفتيش:

 

بعد الأسئلة والمعاملة السيئة، كتب الموظف بياناتي على جهاز الكمبيوتر فخرج اسمي على الشاشة إلى جانبه (شعبة المخابرات العامة فرع 251)؛ وفجأة دون سابق إنذار وضعوا القيود في معصم يدي واليد الأخرى تم تقييدها إلى حديد التدفئة المركزية.

 

 

ويكمل: بدأت الرحلة المريرة، بين غرفة المحقق في (فرع جوازات دمشق) حتى وصولي إلى فرع أمن الدولة كمحطة أولى؛ وهناك، خلال فترة الانتظار، في قسم التحقيق كانت موظفة اسمها نور كما سمعت من المتواجدين، طلبت منها أن أجري مكالمة، فقبلت. تواصلت مع صديقي وأخبرته أنني موقوف وسوف يتم تحويلي إلى فرع 251.

في فرع 251 ضمن منطقة الخطيب، استلمني السجّان، تحت الأرض، وقام بتفتيشي مع الإهانات، دون ملابس، وأدخلني في مهجع عرفت لاحقاً أن اسمه “المهجع الأسود”، وهو خاص بالمعتقلين الجدد.

 

  • سجون الأسد تتشابه والسجانون متشابهون لكن مذاق الموت يختلف بحسب مزاجية الجلاد وانتماء المعتقل الديني أو المكانة الاجتماعية.

 

 كنّا 300 شخص في مهجع طوله 15 متراً وبعرض 4 أمتار، وينقص عدد المعتقلين أو يرتفع كل فترة، وذلك يعود لنقل أشخاص إلى أماكن أخرى، أو قدوم معتقلين جدد.

 

أما عن التحقيق في فرع الخطيب والتهمة، يضيف “رمضان”: أخذ المحقق ينصحني بالتكلم عن كل شيء، وكانت إحدى تهمي أنّ والدي مرشح لمنصب في الائتلاف السوري المعارض، وأنا نكرت كل شيء، وقد هددني بالتعذيب والضرب إن لم أقل (الحقيقة)، وذلك كان أمام شاب خرج من جلسة تعذيب للتو وهو بحالة مزرية ويبكي؛ كي يرهبوني.

 

 جاءت التهم بعد أيام متتالية: أتبع لداعش، أو الجيش الحر… فاخترت الجيش الحر كونه أقل وطأة، والتهمة أرحم بقليل؛ طبعاً بعد التعذيب المستمر والضرب، بصمتُ على أوراق فارغة.

 

 

وعن التجربة القاسية ورحلة العذاب يردف “رمضان”: نقلوني بعد 21 يوماً من التعذيب والقهر والإهانات إلى سجن سري تحت الأرض ما يقرب من خمسة طوابق، أنا وعدداً من المعتقلين، في منطقة الصبورة، تابع للفرقة الرابعة التي يقودها “ماهر الأسد”.

لم أرَ في حياتي هذا المشهد، أناس بشعور وأظافر طويلة وأجسام نحيلة جداً، كأنهم أهل الكهف!

 التعذيب هناك لا يتوقف، وغالباً يشتد في الليل؛ وحتى العناية الطبية معدومة إلا نادراً، كون المكان يعج بالأمراض والحالات الصحية المتدهورة. مرةً كنتُ أحتاج لطبيب بسبب ظهور الخراجات في جسمي؛ لكنني قد سمعت قبل أيام أحد المعتقلين يطرق باب مهجع مجاور بقوة، إلى أن جاء السجان غاضباً، وهو يشتم ويرمي السُباب على الجميع. فسأل عن سبب طرق الباب، فقال من في الداخل إن معتقلاً جديداً بحالة حرجة ويعاني من فشل كلوي؛ فأجاب السجان: هل مات؟ قال المعتقل: لا. فردّ عليه باستهزاء: حينما يموت، اطرق الباب.

وهذا المشهد جعلني أتردد أن أخرجَ للطبيب الذي يزور السجن ساعة كل أسبوعين، أو في الشهر مرة واحدة. أخيراً، خرجتُ إلى الطبيب، فضربني وعدتُ إلى مهجعي. 

 

بعد ستة أشهر من التعذيب والاعتقال هناك، أحالوني مع معتقلين آخرين إلى إدارة المخابرات العامة في منطقة” كفرسوسة”؛ وبعد أسبوع نقلوني مع أربعة أشخاص إلى الشرطة العسكرية بالقابون، لنبقى خمسة أيام ويتم تحويلنا إلى سجن عدرا المركزي، وهناك تمكنت من الاتصال بصديقي كي يخبر أهلي، وكانت أمي تدفع المال خلال فترة اعتقالي للسماسرة والمحامين بحثاً عني.

 

صورة لمعتقل تعرض للتعذيب في سجون نظام الأسد وأفرعه الأمنية 

 

 

في محكمة الإرهاب بمنطقة المزّة، نفيت كل التهم، وأخبرت القاضي بأنني طالب وليس لدي أية مشاكل أمنية، وكل هذه التهم جاءت تحت التعذيب، وعندي إثباتات من الجامعة أنني قدمت الامتحانات خلال فترة اتهامي بحمل السلاح في الرقة، وأنا كنت في دمشق أذهب إلى جامعتي.

 

عقب إخلاء سبيلي أكملت موادي في الجامعة، وانتظرت فترة حتى تتم إزالة اسمي من الحواجز بعد أن دفعنا مبالغ باهظة. فسافرت من مطار دمشق إلى مدينة القامشلي، ومن ثم إدلب، ومن هناك إلى تركيا عن طريق التهريب.

 

 رغم مرور خمس سنوات على الاعتقال، إلى الآن أعاني من بعض آثار الخراجات في جسمي، وأيضاً من الكوابيس التي تدور حول التعذيب والاعتقال.

 

مواد شبيهة :

“زكريا مشّو”: قذائف الدبابات تطارده في أحلامه! (معاناة شاب سوري من مصابي الحرب)